سأحكي قصة لا أنساها، ولا أعرف أهي قصة جميلة، أم أنها ذكرى غير لطيفة.. أظنني أخذتها على محمل العذوبة وقصص السفر الغريبة التي لا تنسى..
كنا في جنوب أفريقيا في أواخر ٢٠١٩ أنا وزوجي وابنتي وابني، وكان يوم الذهاب إلى table mountain ذهبنا وقررنا أن نصعد للجبل ونمارس ال zip line تشككت قليلاً فهذا النوع من الأنشطة يحتاج مني تقييما وتأكدا أنني لن أتعب وأُتعب أي أحد معي.. قلت لزوجي ما رأيك؟ قال لي أظن أنها ستكون تجربة جميلة، ركبنا في سيارات ستأخذنا إلى أعلى الجبل ومن هناك سننطلق على خط الزيب لاين، توقفت السيارة ودخلنا لمنطقة في الجبل وقيل لنا أننا سنمشي حتى نصل إلى منصة الانطلاق..
مشينا وسط صخور صغيرة والتي بدأت تصبح وعرة أكثر، كان الوقت ظهراً والشمس في كبد السماء ونحن في أفريقيا، رغم أن الجو كان باردا إلا أنني بدأت أتعب.. وصلنا لمنصة الانطلاق وكنت لا أستطيع أن أمشي خطوة زيادة، قال المدرب، سنصل للأسفل ثم نمشي مسافة على الجهة المقابلة للجبل حتى تلاقينا السيارات وتأخذنا للأسفل، سألته: هل سيكون الطريق مثل الطريق الذي سلكناه للتو؟ قال: بل أطول قليلا وأصعب.. شعرت وقتها أنني في مأزق، قلت لزوجي: لن أستطيع الإكمال سأعود وأنتظركم تحت.. ثم تداركت.. لا ستعود معي.. قال لي: ليش؟ ارجعي انت واستنيني، قلت له: وكيف سأعود إلى مكان السيارة؟ شعر أنه تورط معي، لابد أن يأتي معي، حادث المدرب سائق السيارة وأخبرهم أن هناك من يود الرجوع، ودعنا الأولاد وبدأنا طريق العودة..
كنت طبعا أمسك في زوجي، ولكن لا أذكر أنني قد أديت مهمة في حياتي أصعب من طريق العودة هذا.. ولا حتى الولادة، في منتصف الطريق قلت لزوجي: خلاص مو قادرة ..وجلست على الأرض، تركني أرتاح قليلاً ثم قال لي هيا نكمل الطريق، قلت له: والله مو قادرة، حاول أن يسندني ولكنني لم أكن أستطيع تحريك ساقي بالمرة.. قال لي:" انتظري هنا سأرى إن كانت السيارة قد وصلت، تأخرنا وأخاف أن يعود ويتركنا" جلست على الأرض وأنا أفكر كيف سأكمل باقي الطريق، بالله كيف؟ بعدها بقليل جاء زوجي ومعه السائق، جنوب أفريقي عجوز طويل وعريض الجسم، يبدو وكأنه من الهنود الحمر، طلب منه زوجي أن يساعده في مساندتي، كنت ضعيفة جدا وساقاي لم تكونا تحملاني حتى مع مساندتهما لي من الجهتين، والشمس قد بدأت تمارس دورها الشرير معي، فجأة توقف الرجل الطيب وقال لي: اصعدي على ظهري.. قلت له: لالا.. سأتعبك، وقلت لزوجي معصبة: أنت من يجب أن تحملني، لكنه لم يترك لي خياراً وحملني على ظهره بمنتهى البساطة وبدأ طريق العودة، مشينا ٢٥ د وهو يحملني على ظهره مبتسماً، همست له في إذنه: sir, you are my hero..you are my superman..you are my batman وصلنا للسيارة وهذا الرجل العجوز لم يفقد شيئا من طاقته – ماشاء الله - وأنا التي كنت في عمر ابنته سأموت من التعب..
لماذا أذكرها هذه الحكاية؟ لا أدري ولكنني أشعر بمنتهى الامتنان.. هناك في جنوب أفريقيا وعلى قمة جبل حملني رجل عجوز على ظهره وهو مبتسم، هذا الرجل لن أراه ثانية في حياتي لكنني أيضاً لن أنساه في حياتي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق