الأحد، 26 ديسمبر 2010

شوكولا (١٦)



  • أخيراً أنا في جدة...!!


يااااا للفرق بين الشرق والغرب
مذ وطئت قدماي أرض أبو ظبي شعرت بهذا الفرق..الجو الحار الرطب..العمال الهنود البائسين في كل مكان (هذا لا يعني أن بريطانيا ليس بها هنود لكنهم هناك لا يختلفون عن المواطنين الإنجليز في الحقوق والتعامل)..اختفاء كلمتي لو سمحت وشكراً من قواميس الناس..الصوت العالي والتجمع بعشوائية أمام بوابة دخول الطائرة دون الوقوف في طوابير..الفوضى في الطائرة وإزعاج الأطفال وتعامل آبائهم مع الأمر وكأن من حقهم أن يسيئوا التصرف..التحويلة التي لها أكثر من ٤ شهور أمام بيتي...
حسناً..لا أحب أن أتبنى هذا التوجه "التغريبي" في التفكير..
لكن تفاصيل الحياة الصغيرة تلك تصنع "كواليتي" الحياة ..ولا يمكن لمن عاش ولو شهراً في بلد الفرنجة إلا أن يدركها ويشعر بها..
حسناً..سأبدأ من جديد كي لا أبدو وكأنني "أتلكك"!!:
.
.
أخيراً أنا في جدة...
.
.
الحمدلله
لا شيء يعادل أحضان أمي..ومداعبات أبي..وضحكات أخواتي..وحب أخي وعائلته الصغيرة..
لا شيء يعادل الدفء بكل معانيه في جدة..




  • لا أدري لماذا أنا في بيت ماورد الآن بدلاً من أقوم بإنهاء بعض الكتابات والأعمال المهمة..


أسبوع واحد تأجل من حياتي وضعني بداخل ساندوتش بالجبنة والخس..!!
علي أن أحضر خلال ٤ أيام لثلاثة عروض وورقة عمل ..ووالداي العزيزان رتبا للبقاء في كابينة على البحر آخر الأسبوع لمدة ٣ أيام.. أشتاق للبحر وللجو العائلي المبلل بأمواجه..رغم ذلك لابد أن أنجز أعمالي..


لم أر صديقاتي بعد..وصديقتي الجاردينيا التي غضبت منها تتصل لكني لا أرد..!





الخميس، 23 ديسمبر 2010

شوكولا (١٥)

عزيزتي الكتابة...
بخصوص مرافقتك لي في كل أزمة..بخاخ ربو مثلاً؟


ألا تجعلنا الكتابة أضعف من الباقيين؟ أم إنها شجاعة في أن نعبر عن مشاعرنا ريثما الآخرون يعانون  لكنهم يصمتون ويطويهم النسيان..؟
حينما كتبت قصة انحباسنا في هيثرو ونشرتها في الفيس بوك أشفق كثير من الناس علي مع أن هذا لم يكن غرضي أبداً..كنت فقط أريد أن أشارك الآخرين تجربة لست الوحيدة التي مررت بها..
لكن يبدو أن تفسير ما يكتب يختلف من شخص لآخر..
كاتب وطني ركز على قولي بأن عودتي لجدة تبدو بالنسبة لي كالحلم وأعطاني محاضرة في حب الوطن وكيف نشعر بقيمة أوطاننا حين نخرج منها وأن لا شيء كالبقاء في الوطن..أصابني قوله بالغثيان خاصة بعد مواقف الخطوط السعودية الوطنية جداً..
آخر - وهو كاتب وروائي- رأى في القصة مادة خام لعمل سردي مختلف..يقول أن هناك كثير من المشاهد الفاتنة كتجمد قدم الصغير من البرد ومنظر الحشر في المطار..لم أستطع أن أصدق أنه يرى تلك المشاهد "فاتنة" في حين أنها قصة حقيقية وليست من أم خيالي..ابتسمت ووعدته أن أفكر في هذه الرواية مستقبلاً..
إحداهن وكانت قد عاشت في ايرلندا قبل أكثر من ٣٠ سنة لمدة ٣ شهور فقط قالت لي: "أجل مررت أنا بهذه التجربة قبلاً ، أعرف تماماً ما تشعرين به....أنه شيء متعب الله يعينك"..تعجبت فأنا لم أسمع أن هذه القصة قد حصلت قبلاً.. وأن مطار هيثرو أغلق بسبب الثلج..ثم أردفت " السبب هو السفر من غير محرم..ألا ترين كم بدا الأمر صعباً عليك" ..أبعد كل ما مررت به تقول ذلك؟ وأنا أعتبر نفسي شجاعة وقادرة على التصرف وإن كنت أعبر عن مشاعري كأي أنثى وربما أزود شوية ؟ ربمالو كان محرمي بليونيراً لاختلف الأمر وسافرنا على متن طائرتنا الخاصة..
كل ذلك في جهة..وصديقاتي المقربات في جهة أخرى..يبدو أن الأمر اختلط عليهم وشعروا أنني أختلق قصة من خيالي كما أفعل دوماً..
لم يكلفوا أنفسهم السؤال بالتلفون ولا بالإيميل ولا ماسج ..بل إن إحداهن معي على البلاك بيري وتعلم جيداً بموعد وصولي وتعرف تماماً مالذي حصل لكن الأمر لا يعنيها من قريب ولا من بعيد..!
يا للأسى..!!
هاقد عدت مرة أخرى إلى التعبير عن مشاعري بكل صفاقة..
لكن حين تتحول الصداقة إلى مجرد أسماء ،،وكم ضخم من الذكريات،، ثم مساحة بيضاء خالية بلا حتى نقطة أو علامة استفهام يصبح الأمر مربكاً..
حين تتحول الصداقة إلى أوقات سعيدة نقضيها معاً وأكواب قهوة نشربها..هدايا ثمينة ومجاملات وملامح رسمت بعناية ..يصبح الأمر مقيتاً..
حين تتحول الصداقة إلى التزام..وورقة خاسرة نصر أن نحتفظ بها..وحديث نقضي ضعف وقت قوله في انتقاء ما نقوله..يصبح الأمر مرهقاً..


مرهقة ومحبطة..أبدو كقوس انشد حتى انقطع وتره قبل أن ينطلق سهمه..
هل تشي تلك الجملة بالضعف؟ هل علي أن أكون قوية وحديدية حتى في المساحة الخاصة جداً بيني وبين الحروف؟ لو كان معي محرم هل ستكون كتابتي مبهجة وجميلة تتحدث عن لوعة الحب وألم الفراق؟ أليس الألم والتجارب جزء من بناء شخصية الإنسان رجلاً كان أو امرأة؟
أخبروني ..:إزت أوكي تو فيل دبرست سم تايمز؟


عزيزتي الكتابة: 
بخصوص أنك فاضحتني وناشرة أسراري ..موقع ويكلكس مثلاً؟

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

شوكولاتة بيضاء

الجزء الثاني من مغامرات "فروزن بريتن":



استيقظت في السادسة فجراً على تلفون من أخي..قال لي أن ثمة رحلة إضافية على الخطوط السعودية تسع ٤٠٠ راكب قد أقلعت توا من جدة في طريقها إلى لندن وأن هناك فرصة كي آتي عليها إن ذهبت إلى المطار مبكراً...
أيقظت الأولاد في السابعة ،فطرنا وعملنا تشيك آوت وتوجهنا إلى هيثرو المنكوب..
وصلت إلى كاونتر الخطوط السعودية وهالني ما رأيت ،كان أشبه بحراج ..كان الكاونتر الوحيد الخالي من الطوابير والمليئ بالتجمعات الفوضوية والصوت العالي..لا يوجد موظف تسأله أو أحد ترجع إليه..
من البداية شعرت أن لا أمل،،خاصة أن حجزي لم يكن على الخطوط السعودية إنما طمعت أن أعامل كمواطنة سعودية عالقة مع أطفالها في مطار لندن، لكن تلك الفكرة بدت لي كأمنية تافهة وسخيفة..لذا قررت أن أتوجه حالاً إلى ترمنل 5 حيث الخطوط البريطانية..
يسود النظام هذا الترمنل، لا تسمع صوت أحد رغم الجموع البشرية الغفيرة،،الكل يقف في طوابير طويييلة لكنها تمشي..وموظفون يتوزعون في كل مكان فقط للإجابة على أسئلة الركاب..بوجه إنجليزي بارد ومؤدب جدا حد الإستفزاز قابلت الموظفة سؤالي عن مصير رحلتي الملغية بالأسف على ذلك وأن علي أن أحجز في يوم آخر إذ لا مجال أبدا للسفر اليوم وفي حال قررت أن أغير الخطوط ستعوضني الخطوط البريطانية عن كل ما دفعت..



إلى هنا وقررت التوقف..كنت أحلم ببيتي الدافئ في ليدز..بسريري ..وبالاسترخاء هناك حتى تحل الأمور..
ركبنا أنا والأولاد البيكاديللي ونحن نجر حقائبنا متوجهين لمحطة الكنغز كروس حيث نستقل القطار إلى ليدز..
بعد ساعة وصلنا..ثم يا للمفاجأة..:
 كل الرحلات إلى ليدز ألغيت..لعطل في القطار حصل بسبب برودة الجو!!!
كانت هذه اللحظة من لحظات عدم التماسك..كانت نظراتي معلقة بالشاشة الكبيرة أمامي التي عليها أسماء ومواعيد الرحلات ..دموعي بدأت تنهمر وأنا لا أعلم ماذا سأفعل وإلى أين سأتوجه بأطفالي وحقائبي..
فجأة ومن وسط الزحام سمعت صوتاً يسألني بالعربية:  : أنت سعودية؟
أجبته من وسط دموعي: أجل..
قال لي: مالذي يبكيك ويزعجك؟
كان طالباً سعودياً أنيقاً يجر حقيبة صغيرة ويرتدي معطفاً طويلاً، أخبرته بالمشكلة وبأنني مشفقة على أطفالي من هذا البرد ولا أعلم كيف سأصل إلى بيتي..
قال لي تعالي معي، توجهنا إلى مكتب الاستعلامات وسألنا عن كيفية الذهاب إلى ليدز فأخبرونا أنه يمكن ذلك عن طريق شيفيلد..
تركت الأولاد في مكان آمن وجاء معي هذا الغريب لشراء التذاكر من مبنى آخر بعيد..عدنا وأحضرنا الأولاد ..جر معنا أثقل شنطة وتوجه بنا إلى البلات فورم المطلوب ..أخذ الأولاد إلى إحدى الكافيهات وطلب منهم أن يجلسوا لأن الجو في الداخل أدفئ، اشترى لهم  ساندوتشات وعصيرات واشترى لي وله قهوة وأخذ ينتظر معنا مبتسما..قلت له: هذا كثير..بإمكانك أن تذهب الآن..
قال لي: لن أذهب حتى أتأكد من أنك صعدت للقطار.
بقينا حتى فتحت الرحلة وقبل أن أصعد تذكرت شيئا قلت له: بالمناسبة ما إسمك؟ فقال لي: عماد الحربي.. أخذت رقم هاتفه وأخبرته عن إسمي لأنه حتى لم يسأل..
ودعته وأنا مندهشة وأقول في نفسي: كيف ظهر هذا الرجل أمامي فجأة..؟ اسمته سديل في الحال "ملاك " الحربي..!!!
إما أنني قد فعلت خيراً لأحد ذات يوم فأراد الله أن يكافئني أو هي ربما دعوات أمي القلقة..ما أعلمه أن الله سيكافئه بشيء كبير،،بل كبير جداً يتناسب مع امتناني وإعجابي بشاب سعودي وقف بجواري ذات يوم كئيب في إحدى محطات لندن..حمدت الله أنني كبيرة ما يكفي، فلو كنت صغيرة لما فوّت على نفسي فرصة الوقوع في هوى رجل من هذا النوع..!!

ركبنا القطار ،كان مزدحما على الآخر .. حين وصلنا إلى شيفيلد تجمدنا من البرد لعشرة دقائق ثم ركبنا قطارا آخر على ليدز..
.
.
في هذه الأثناء حصلت قصة مؤلمة لصديقتي أماني التي تحمل حجزاً مؤكداً على رحلة اليوم على الخطوط السعودية، بكل بساطة ألغي اسمها هي وأطفالها الأربعة لكي يوضع بدلاً عنهم أسماء موصى عليها..حاولت الإعتراض هي وعدد كبير من السعوديين أصحاب الحجوزات المؤكدة اللذين فقدوا مقاعدهم ببساطة.. لكن الموظف السواداني قال لها وهو يصرخ: تحدثي مع المدير السعودي ..منه تأتي الأسماء اللذين يريدهم أن يصعدوا إلى الطائرة .صرخت بريطانية كان حجزها مؤكد على متن الرحلة بالإنجليزية :هذا ليس عدلاً..نعرف أن هذه الواسطة ..لكن هذا ليس عدلاً. طبعاً نطقت كلمة "الواسطة" بالعربية لأنه ليس لها مرادف إنجليزي
لم تستطع أماني الصعود للطائرة وعادت لليدز هي وأبنائها..عادت حزينة جداً لهذا التعامل اللاإنساني وتوعدت أنها سترفع شكوى للآياتا ضد ممارسات الخطوط السعودية..خاصة أن لديها تجربة مماثلة أيام أزمة الرماد البركاني..


لم يكن إحساساً جميلاً وأنا أفتح أبواب بيتي مرة أخرى بعد مغادرته قبل ثلاثة أيام أدخل الحقائب وأعيد فتح الدفايات..لكنني على الأقل الآن على سريري الدافئ..أسمع صوت الأولاد يضحكون ويلعبون "وي"...لا أكاد أصدق ماذا حدث في الثلاثة الأيام الماضية..وكأنني كنت على موعد مع جرعة مكثفة من المرمطة والتعب ..وكأن لندن كانت مصرة أن تريني الوجه الآخر لها ..
كل من حادثني يقول لي: إنها تجربة!! وحتى هذه اللحظة أنا لا أدرك أي عمق في هذه التجربة بالنسبة لي..أما الأولاد فقد فاجئوني حقاً وكأنني لا أعرفهم..كانوا طوال الوقت متماسكين هادئين يجيدون التصرف ومساعدتي إن لزم الأمر.. يملئون الوقت ضحكاً ولعباً أينما كنا..كنت أعرف أن سارية الصغير أصيب بالتعب والإحباط حين يمشي وعيونه معلقة بي جارا حقيبته خلفه بصمت..لم يكن يطلب من أحد أن يحمل عنه حقيبته .ولم يشكو ولا مرة من أي شيء..


أسيل لها نظرة مختلفة للأمور..بعد حكاية  السائق الباكستاني الذي أوصلنا بالباص للفندق ليلة إغلاق المطار قالت لي: ماما..كأننا أبطال في فلم..ثم أضافت : فلم هندي..ثم أضافت: فلم هندي مسلم..! وبسبب كل الأفكار والمحاولات للسفر التي كنا نترقبها ثم تبوء بالفشل قالت لي: الآن أنا جربت إحساس "اليويو" !!


بريطانيا التي لا تزال تصر أنها عظيمة عليها أن "تلقط وجهها" أمام العالم..سمعة هيثرو العالمي غدت في الحضيض ..أجل! كانت الأجواء مثلوجة لكن ماذا عن مطارات أخرى في كندا والدول الإسكندنافية والتي لم تغلق يوماً؟ يتناقش الإعلام يومياً في هذه القضية إذ أن هيثرو غير مجهز بأحدث الأدوات التي تساعده على تجاوز الأزمات في هذه الظروف..بعض المحللين يقولون لأن هذا الثلج غير معتاد بهذا الشكل( لم ينزل على لندن بالذات ثلج بهذا الشكل منذ أكثر من ١٠٠ عام) لذا فإن المطار غير مستعد..ومحللون آخرون يلومون الحكومة التي قلصت الصرف في شتى المجالات  مما جعلها غير قادرة على مواجهة أزمة كهذه ..ومنهم من يقول أن على الحكومات صرف أموالها في مسألة" تغير المناخ" والذي أخذ يسبب كثيراً من المشاكل كل عام عوضاً عن صرف الأموال في مواجهة كوارث نتيجة هذه التغيير..








ما علينا..! على بريطانيا العجوز أن تحاول إصلاح ما أفسده"الثلج" ...!!!


نعود مرة أخرى لصديقتي أماني التي تشعر بالغضب الشديد من الخطوط السعودية..تلك التي هي أصلا سمعتها "مضروبة" لكنها تجيد في كل مرة اختراع قصص جديدة وممارسات لا يصدقها عقل ..انتهى يوم البارحة باستنجاد موظفين الكاونتر السعودي بشرطة المطار اللذين دخلوا مع كلابهم لطرد من تبقى من المسافرين السعوديين اللذين كانوا يقفون في الطوابير لأكثر من سبع ساعات وهم لديهم حجوزات مؤكدة..هذا التعامل الفريد من نوعه كان فقط أمام كاونتر الخطوط السعودية..بقيت أماني تبكي طوال الطريق من لندن لليدز : قالت لي أبكي كرامتي المهدرة..أبكي الطريقة التي انطردت بها أنا وكثير من الرجال السعوديين المحترمين من المطار..فقط لأننا السعوديين اللذين ليس لدينا واسطة
 (أماني بالمناسبة أستاذ مشارك في جامعة الملك عبدالعزيز)
أنظر في جدول الرحلات، لماذا هناك أكثر من ٥ رحلات يومياً إلى دبي وهي من أكثر الوجهات التي لم تتعرض للألغاء والتأجيل..بل إنهم زادوا عدد رحلاتهم في مطرات أخرى كمانشستر وبرمنجهام..أما السعودية - وهي تعلم عدد طلابها ورعاياها في المملكة المتحدة- تتصرف وكأن الموضوع لا يعنيها طالبة منا في صفاقة أن نؤمن بالقضاء والقدر..! في وسط كل ذلك يرسل لي صديقي كاتب الوطن ثامر شاكر أن مشكلة كهذه تجعلك تحبين وطنك أكثر وترفضين مغادرته وتشعرين بقيمة البقاء فيه..قلت له " دع عنك الوطنية بالله وتحدث بإنسانية ..ولا ترفع ضغطي أكثر"

متى سآتي إلى جدة؟ قريباً إن شاء الله..صرت أخاف من مجرد فكرة السفر وأترقب الأجواء بكل حذر


مراسلتكم من فروزن بريتن : أروى 




الاثنين، 20 ديسمبر 2010

ليست شوكولا أبداً...

الساعة الآن الرابعة فجراً وأنا لا أستطيع النوم أو الأكل أو حتى احتساء قهوتي منذ يومين..
عالقة في فندق ما بجوار مطار هيثرو منذ مساء السبت الكئيب حين أغلق المطار وألغيت كل الرحلات وأصابت الفوضى الأندر جراوند وكل وسائل المواصلات..وصل البرد حداً لا يطاق وامتلئت الفنادق على آخرها وافترش ألوف المسافرين أروقة المطار...
كانت ليلة لا تنسى ..جررنا أنا وأبنائي حقائبنا في الثلج حين أصاب العطل الأندر جراوند قبل المطار بمحطتين واضطررنا للنزول إذ نفاجئ أن كل الطرق المؤدية للمطار أغلقت وكل الرحلات ألغيت..

يا للورطة!!!
.
.
أين أذهب بالله بهؤلاء الأطفال في هذا الليل وسط الثلج وأنا في إحدى ضواحي لندن؟ كنا ذاهبين إلى جدة..ولم نكن نرتدي ملابس شتوية مناسبة....سارية الصغير يجر حقيبته في الثلج ويبكي بصمت لأن قدمه قد تجمدت..بنطلوني وجوربي مبللان على الآخر..وعاد ألم الساقين المؤلم لأسيل..أما سديل فتبتلع ألمها الهرموني الشهري وتمشي في هذه القافلة بصمت.. 
أكثر من ساعة وقوافل المسافرين تتجول بحقائبها في هذاالثلج بدون هدى...أشفق علي سائق باص باكستاني مسلم ودعاني للدخول إلى الباص أنا وعائلتي، أخبرته أنني أبحث عن أي مكان أقضي فيه ليلتي فأخذني بالباص إلى فندق قريب،لم يطلب حق ركوبنا بالباص وقال لي أنه وزوجته مستعدان لاستقبالنا في منزلهم إن لم أجد مكانا في الفندق، شكرته بحرارة ودعوت له بصدق أن يدخله الله الجنة من أوسع أبوابها..
في الفندق كان الرد الأول: آسفون لا يوجد غرف..وبسبب ملامح التعب علي وعلى الأولاد وعدني الموظف أن يحاول إيجاد غرفة لي، حين أخبرني أن ثمة غرفة شاغرة كنا نبدو كمن وجد كنزاً فجأة..
في هذه الأثناء كانت صديقتي أماني قد وصلت قبلي للمطار حين أخبروهم بإلغاء كل الرحلات وإخلاء المطار..أتعرفون ما معنى أن يلغي مطار بحجم هيثرو- يعد من أكبر المطارات في العالم ، إن لم يكن أكبرها-رحلاته؟ كانت أماني تقول لي ..المنظر أشبه بيوم الحشر، ولا من مجال لإيجاد غرفة في أحد فنادق المطار أو حتى ركوب تاكسي إلى أي مكان، بعد عناء وعدة ساعات وصلت أماني كاللاجئة إلى بيت إحدى صديقاتنا في لندن..كان ابنها الصغير قد ارتفعت درجة حرارته أثناء ذلك وأصيب بالحمى نتيجة البرد والتعب..
نام أولادي من التعب وأنا لم أستطع النوم..كنت في وسط دوامة من المجهول، لا أعلم إلى أين أذهب أو ماذا أفعل ومالذي سيحصل في اليوم التالي..
استمر المطار مغلقاً في اليوم التالي..ألغيت رحلتي على الخطوط البريطانية والخيارات أمامي أن أعيد الحجز من جديد في وقت آخر أو أن أستعيد نقودي..
فريق في جدة يتكون من زوجي وأبي وأخي وكل من لنا صلة به في الخطوط لمحاولة إيجاد حجز على أي خطوط إلى أي بلد تقربني من جدة لكن ذلك كان مستحيلاً والمطار ما زال مغلقاً لا تقلع منه أي طائرة ولا يستقبل أيضاً...وأفواج المسافرين تنتظر،،!!
قررت الرجوع إلى ليدز لكن أيضاً خطوط القطارات متأثرة والإلغاء والتأخير أمر محتمل لكل رحلة، أثناء هذه اللخبطة كان موعد التشك آوت في الفندق وأخبرتني إحدى الموظفات أن علي إخلاء الغرفة حالاً لأنها محجوزة لشخص آخر..
كنت متماسكة منذ البداية..لكن..في هذه اللحظة لم أستطع التماسك وبكيت..لا أستطيع السفر إلى جدة ولا العودة لبيتي في ليدز ولا من مكان أبقى فيه في لندن ..!!!
بعد محاولات وافق الفندق على تمديد ليلة أخرى لي..بعدها طلب مني زوجي أن آخذ الأولاد وأخرج من الفندق إلى أي مكان لتناول الغداء وتغيير الجو الكئيب وفعلاً تقابلنا أنا وأماني وأولادنا في مطعم لبناني حيث تناول أطفالنا الطعام بشراهة...!!! يبدو الناس في كل مكان أصدقاء إذ أن هماً مشتركاً يجمعهم حين نسفت خطط عطلات الكريسمس كلها بسبب الأحوال الجوية.. 
وضعي المالي أصابه إعصار بسبب هذه الظروف التي لم تكن على البال..وجدولي في جدة نسفه الثلج..أمسيتي ألغيت ..وحماس أطفالي للذهاب إلى جدة أصيب في مقتل..ولازلنا نلبس نفس الملابس فحقيبة جدة ليس بها ملابس شتوية..
حين سمعنا مساء اليوم ونحن في الفندق صوت طائرة محلقة في الجو وقفنا كلنا مشدوهين عند النافذة وكأننا نرى طائرة لأول مرة في حياتنا..فتح المطار ولكن بعدد محدود جدا من الرحلات لا يسمن ولا يغني من سفر..
لا أفعل شيئاً إلا الانتظار ومتابعة الفوركاست في أكثر من ١٠ محطات..مشاهدة الأخبار والتأكد من هيثرو ومحطة القطار كل ساعة ..الآن ..أنا لا أعرف مالذي سيحدث..لا أعلم إن كان بوسعي العودة إلى ليدز اليوم والانتظار هناك حتى يسهلها الله

..يا الله..كم يبدو العودة إلى جدة في هذه اللحظة حلماً من الأحلام ..كم تبدو الحياة الطبيعية البسيطة ترفاً ..وكم أبدو كئيبة وحزينة ومحتارة!!!

السبت، 18 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٤)

ما زلت على سريري ..أشرب قهوة الصباح وأتابع أخبار الطقس..القطارات،الآندرجراوند،هيثرو..بعد أن سقط الثلج على غفلة منا ونحن نائمون..
إنه تماماً كما أحبه..ليس كثيفاً للحد الذي يربك المواصلات ويقفل المطارات..
ربما هو فقط يودعني ويذكرني أنه خلال ٢٤ ساعة سترتفع درجة حرارة أجوائي لأكثر من ٣٥ درجة دفعة واحدة..
ستكون أيامي في جدة حافلة...أمي رتبت معي أن أذهب معها لزيارة صديقتها التي صارت جدة..أخواتي يجهزون كي نقضي ٣ أيام في البحر..وأمي تسألني عما أريد على الغداء غداً...! هذا عدا جدولي الشخصي والذي يتضمن تجديد الفيز وزيارة دارة بن زقر لجمع بعض المعلومات لعدة أبحاث سأكتبها..وأشياء أخرى ..
أعيش لأسابيع في فراغ بدون جاذبية ..وفجأة تتكدس الأشياء وتتصادم وتتعارك لأن تجد لها مكاناً خلال أسبوعين فقط..


عزيزتي الحياة..بخصوص هذا الزحام المفاجئ في جدولي ..تحاولين تقليد الحج مثلاً؟


الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٣)


  • عزيزي العمر...


بخصوص تجاوز السرعة..إيش رأيك تهديها شوية...ولا نحطلك مطبات مثلاً؟ 


يبدو أن عمري سيرتكب حادثاً أليماً بسبب سرعته المفرطة..أو ربما هو يحتاج نظام ساهر لمراقبته..هو لا يعلم أن ثمة " أبناء " بانتظاره..


  • إلى أصدقائي في جدة: يوم الثلاثاء ٢١/ ١٢ سيكون لدي أمسية في مكتبة جسور عن كتاب على الأرجوحة تتناثر الأسرار..ستقدم الدكتورة لمياء با عشن قراءة في الكتاب..ثم سأقرأ أنا بعض المقاطع مع الحديث عن تجربتي الشخصية..وفي يوم ٢ جانوري هناك أمسية أخرى في دارة صفية بن زقر بعنوان: رحلة في متاحف لندن
  • وإلى أصدقائي في الرياض: سأكون يوم الأحد الموافق ٢٦/ ١٢ في جامعة الملك سعود ضيفة على المجلس الأدبي للحوار حول تجربة الكتابة للطفل وأيضاً الكتابة للكبار ...
ستأتون؟ أتمنى ذلك ..فبعد انقطاع لأكثر من سنة عن مثل هذه المناسبات أشعر بالتوجس والغربة..!!! لكن هذا الكتاب المسكين..ألا يحتاج مني بعض التفات أسوة بأخوته؟



رحمك الله يا دكتور غازي..كم كنت أتمناك ضيفاً في أمسيتي،،حتى وإن كنت أعلم أنك لا تحب حضور مثل هذه المناسبات ولا وقت لديك ..معك تعلمت أن شرف المحاولة يكفي..


  • لست حواسة..ولا أغرق في شبر موية كما تقول..فقط أنا بعيدة ..والتحكم عن بعد خيار جيد فقط للتلفزيونات والمكيفات !!! مهما كان،،علي أن أتذكر أنني ألقيت بكل ما يزعجني هناك في القارورة في قعر نهر التايمز..!!


الأحد، 12 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٢)


  • استيقظت هذا الصباح متوجسة...

لا يعجبني هذا الإحساس..
أبدو كمن يترقب وهو خائف..!!!





  • قبل يومين كنا في لندن أنا وصديقة الرحيل..

بعد رحلتي الجامعية إلى لندن صار لخطواتي فيها وقع آخر..
قبل عدة سنوات كنت متحفظة تجاهها وكانت هي لا تأبه..
الآن فقط بدأنا نلتفت لبعضنا ونبتسم..


أهديتها عربون صداقة لا ينسى : رسالة أودعتها قارورة زجاجية وألقيتها منتشية في نهر التايمز..
كتبت في الرسالة ما يثقلني،،،ما أود أن ألقيه كي أتخفف منه وأمضي في حياتي الباقية بدونه..
ألقيت القارورة ولست على ثقة من أن أحدا ما سيجد حروفي العربية ويرد على رسالتي..




لندن...أيتها المبهرجة..
هل يمكنك حقاً بكل جبروتك وسطوتك وغرورك أن تلتقطي يدي التي مددتها لك مصافحة وتنقليني إلى ضفة أخرى من الحياة؟ 





  • بعد أيام سأعود إلي جدة في إجازة الكريسمس..

أهلي لا يعلمون أننا قادمين،،حتى وأن نشرت هذا السر في بيت ماورد سيظل سراً..
يعيش الأولاد نشوة السر والمفاجأة..يضعون سيناريوهات مختلفة ويرتبون تنفيذها..
لن تكون إجازة أبداً ،،فلدي هناك برنامج حافل ..

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

شوكولا..(١١)



أشعر بالسعادة..منذ البارحة..


صار لقلبي عينان وفم..عيناه متألقتان وفمه مبتسم:)


لم أكتب رسالة ، فما علمته أن أبلة نجاة ليست نتية أبداً..أما كيف توصّلتْ لي فقد عثرتْ أمينة المكتبة في نفس المدرسة- لا أعتقد أنها تعرفني- عن أمنيتي التي كتبتها في بوست "شوكولا ٥"  ..ثم أرسلتْ ماسج لأبلة نجاة تخبرها أن هناك من تبحث عنها..


(بالمناسبة..شكراً لك أيتها الأمينة..:) شكراً لأنك أهديتني أمنية عيد لطالما تأجلت..إن كنت تقرأين هذا البوست فأخبريني كيف عثرت علي؟)


المهم ..قررتُ أن أحادثها بالهاتف ..كان الوقت متأخراً بتوقيت السعودية حين حصلت على رقمها لذا قررت أن أنتظر لليوم التالي..
 في الجامعة مكثت طويلاً ولم أعد إلا الساعة الخامسة لكنني كنت مبتهجة كمن تحمل سراً في قلبها طوال اليوم..
فجأة تكاثفت صور من الطفولة في مخيلتي..احتشدت مشاعر من ذاك الزمن في قلبي وأنا أضرب أرقام الهاتف ..
جاء الصوت الذي أعادني ٢٤ سنة إلى الوراء ليؤكد لي أنه بانتظاري..بانتظاري أنا ..أروى في فصل أول متوسط ج.
يا لها من مدة طويلة..يا له من عمر كامل..من أين نبدأ وماذا نقول ؟
تحدثنا كثيراً ،،أو ربما قليلاً قياساً بكل ما مضى من سنوات..




ذلك الصوت..تلك اللهجة ..وذلك الإسم يمثل مرحلة كاملة من عمري أتت "كباكج "كامل لا يتجزأ بخليجها،شتائها،شاطئها ونصف قمرها،خنافسها الحمراء في الحديقة،التزلج طوال النهار في الشارع، والإنسداح على "طعوس" الرمل مساء..


قالت لي: خفت أن تترددي ولا تتصلي..قلت لها: كيف أتردد وأنا التي كنت أبحث عنك طوال السنين الماضية؟..أتمنى أن أشاركك صدور كل كتاب كتبته.. أسمع صوتك وأعترف بجميلك وأطمئن أنك بخير..!
طوال المكالمة كانت تصر أنني المتميزة وكنت أصر أن المعلمين المتميزين هم اللذين يصنعون الإنسان المتميز..ولا أظن أننا اتفقنا في النهاية..
.
.
لم تنته المكالمة وإن كنا أغلقنا الخط.. فلا يزال هناك الكثير الذي لم نقله بعد..!!
.
.
عيناي تدمعان شجناً وأنا أردد قول علوان" يؤجل الله أمنياتنا ولا ينساها"

الأحد، 5 ديسمبر 2010

شوكولا..(٥) مرة أخرى

عودوا بالله مرة أخرى إلى قراءة بوست الشوكولا الخامسة وستفهمون سبب ارتباكي..!!!
.
.
.قرأته عدة مرات هذه الليلة..وفي كل مرة أشعر أنني عدت فتاة في الثانية عشرة ألعب مع صديقاتي منى وعبير في فناء المدرسة المتوسطة..
.
.
.


كيف يمكن أن تتحقق أمنياتنا البعيدة كالنجوم بهذه البساطة؟
كيف يمكن أن يعثر علي ابنها ..هكذا بهذه البساطة..وفي هذا الفضاء الإلكتروني الملبد بالكتّاب والمواقع؟
كيف يمكن أن أشعر بالارتباك من مجرد كتابة رسالة لأرسلها حالاً بالإيميل..!
.
.
ساعدوني..ماذا يمكن أن أقول في هذه الرسالة؟
إلى معلمتي الملهمة..
لا..
إلى قلم رصاص بهت على الورق لكنه لم يبهت في الذاكرة..
أيضاً لا..
إلى صوت وخط وروح ما زلت أذكرهم..
إلى من أشربتني حب اللغة والحرف وتهجي الحياة..
إلى من علمتني تذوق الشعر وحفظه والمباهاة به..
إلى من كنت أزعجها بكثرة مخطوطاتي السخيفة رغم ذلك أقابل بكل ترحيب..
..
كيف يمكن الآن أن لا أعرف ماذا أكتب؟وأن أعود صغيرة خجلة ترنو إلى نظرة تشجيع من معلمتها وأنا دكتورة في الجامعة..
يا للإحساس الغامر الغامر..
.
.


حسناً ..سأحاول ،،أعدكم أن أحاول الكتابة وأن أطلعكم على الرسالة..








شيء أخير: ..إن كان لديكم أمنيات فألقوها في بحر الحياة ولا تخافوا غرقها..قد تعود لكم باسمة مع أول موجة..

الجمعة، 3 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٠)

في اليومين السابقين ضربت بريطانيا موجة ثلجية أغرقتنا..أغلقت المطارات وتوقفت كل وسائل المواصلات وحجز أبنائنا في المدارس ووصل الثلج حدا لا يصدق...
البارحة كانت المدارس مغلقة نتيجة لظروف الطقس لذا كان أبنائي في البيت وكان لدي رحلة مع الجامعة إلى مانشستر مقررة سلفاً..راسلنا الدكتور مارك يسألنا إن كنا نود الذهاب رغم الظروف إذ أن القطارات إلى مانشستر لم تتوقف..
كان أكبر تحد لي الوصول إلى محطة القطار في الوقت المناسب نتيجة لإغلاق الطرق..وفعلاً وصلت وهناك قابلت مارك و١٢ طالب آخر من بينهم صديقتي إليزابيث ..
محطتنا الأولى حين وصلنا كان متحف الفن في مانشستر Manchester Art Gallery
المتحف كان مختلفاً عن المتاحف التقليدية،، على سبيل المثال:

  • المعروضات العالمية في قاعة الأعمال الفنية لم تكن مقسمة حسب التسلسل الزمني ولم تكن مقسمة حسب انتمائها الجغرافي ولكنها كانت مقسمة حسب موضوع أو "ثيم" معين..مثلاً :  ما يخص المناسبات الاجتماعية كان معروضاً معاً سواء كان زي أسود قديم يلبس في العزاء في أوروبا..أو ملبس طفل أبيض يلبس عند بلوغ الطفل ٣ شهور في انجلترا أو جرة في الهند من العصور القديمة يوضع فيها رماد الميت بعد حرقه أو مجسم من الصين يرمز لفكرة تناسخ الأرواح عند الممات والولادة..بهذه الطريقة جمعت ثقافات العالم وعرضت عبر الأعمال الفنية. وهذه الطريقة تطبيق لنظرية النظر "بعولمة" إلى ثقافات الشعوب القديمة..
  • كان هناك قاعة تفاعلية جميلة..كل عمل فني يمكن أن يطبق عليه فكرة تفاعلية يقوم بها الزائر..الأفكار بحد ذاتها كانت مبتكرة وكأنها أعمال فنية إبداعية لا تقل جودة عن العمل الأصلي المقتبسة منه..
  • في قسم المعارض كان هناك معرض لفنان مكسيكي كندي اسمه:Rafael Lozano-Hemmer المعرض كان إلكترونيا ، كان الفنان يعتمد على الضوء والظل والصوت والتكنولوجيا وتفاعل الزائر واللعب على مشاعره الذاتية..مثلاً هناك عمل فني يحول نبضات قلب الزائر إلى ومضات ضوئية وآخر يجعل من بصمات الزوار عملاً فنياً وثالث يقحم صورة الزائر لتكون ضمن قطع فسيفساء التي تشكل مع صور الزوار السابقين لوحة كبيرة.. 



لم أر في حياتي شيئاً كهذا..حقاً قدم الفنان مفهوم حديث جداً لفكرة "العمل الفني" واستغلال التكنولوجيا..وبالمناسبة تحدثت معنا إحدى أمينات المتحف حين وصلنا عن الفريق الضخم الذي يعمل في هذا المتحف والجهد والدراسات التي يطبقونها كي يصل العمل إلى هذا المستوى وفي كل طابق كان مارك يذكرنا أنه لا فصل بين النظرية والتطبيق وأنه من رحم النظريات التي قد تبدو جامدة تولد الأعمال والمشاريع العظيمة..! 

تجولنا بعد ذلك ونحن نرتجف من البرد في أنحاء المدينة..مارك المهووس بالعمارة والمباني وحارات المدن كأروقة للتاريخ والفن كان يشرح لنا علاقة التغيرات السياسية بتصميم مدينة مانشستر وطابعها الفني أذ أنها مدينة الريديكالية في انجلترا وفيها تمت حركات تحرير العمال أيام الثورة الصناعية من ظروفهم المعيشية السيئة كما أنها كانت تدعم أمريكا في حركة تحريرها للعبيد حتى أن أمريكا أهدت مانشستر تمثالاً لإبراهام لنكولن -محرر العبيد وموحد الولايات المتحدة- لا يزال قائما في ساحتها حتى الآن.

  قلت لمارك: أتمنى أن ترافقني في جولة كهذه في مدينتي جدة..أنت تجعل لتاريخ المدن عبقاً ومعنى آخر..!

المكان الأخير كان  The Imperial War Museum
كنت بردانة ومتعبة ولم أكن متحمسة للذهاب إذ كنت أظنه متحفاً يضم مقتنيات تعود للجيش البريطاني..لكن كان الأمر مختلفاً تماماً..المتحف كان يعرض التاريخ الإجتماعي للأمم من خلال الحروب..لم يكن يركز على حرب بعينها أو أمة أو عدو إنما كان يتناول الحرب كمعنى مدمر تتشارك فيه الإنسانية بغض النظر عن السياسة والدين..

مبنى المتحف كان غريباً، كان مقتبساً من المتحف اليهودي في برلين..كان بلا نوافذ ولا ضوء، مجرد شقوق في السقوف العالية تشعرك أن طائرات حربية تحوم فوقك..الجدران بيضاء مصمتة وتقسيم المساحات الداخلية تشعرك بالضياع والحيرة وهذا ما أراده مصمم المتحف تماماً..


كان المتحف يعرض أنواع الأسلحة ..أنواع ميتات الناس في الحروب..ماذا فعلوا بعد الحرب..الهجرة وإعادة بناء المدن المتدمرة..ضحايا الحروب من الأطفال..
في ساعات محددة كل يوم تتحول كل الجدران البيضاء إلى شاشات كبيرة تعرض أفلاماً  عن الحرب والأسلحة وتجارب الناس.. الأفلام التي تحوطك من كل مكان تعرض بالأبيض والأسود والمؤثرات الصوتية من أصوات انفجارات ومسدسات وصرخات تحاول أن تضعك في قلب الحدث..
رغم أن هناك صورا ومقتيات من حرب العراق وحرب الخليج والحرب العالمية الأولى والثانية لم أصادف صوراً أو معروضات من الحرب الدائرة في فلسطين..فأصبت بالانكسار..
كنت أناقش هذا الأمر مع إليزابيث..قلت لها: بريطانيا ودول الكومنولث يعيشون في سلام ورخاء لذا لديهم القدرة والشجاعة على عرض معاناة تاريخ من الصراع بهذه الحيادية والوضوح رغم عدم تعرضهم لليهود وفلسطين لأسباب سياسية..أما نحن فما زلنا تحت وطأة الذكريات القريبة والمستمرة،،لا زالت الحروب وأسبابها وتداعياتها جرحاً في قلب الأمة..لا زال هناك طفل فلسطيني وعراقي ولبناني ينظرون للحرب كحياة يومية وليست حقائق قديمة قابلة للعرض في متحف...!!
تساءلت : لماذا تخلو مناهجنا في التاريخ من مثل هذه المواضيع؟ لماذا لم ندرس في المدرسة يوماً عن الحرب العالمية الأولى والثانية؟
.
.
في آخر اليوم عدنا إلى ليدز ونحن نرتجف برداً ونتضور جوعاً....وننضح أفكاراً...!!



مسلسل كويتي

 هل قلت لك يا ماورد أنني أحتاجك جداَ؟ نعم سآتيك كثيرا فطيبي خاطري كلما أتيت وقبليني على جبيني ولا مانع أن تحضنيني فلن أمانع.. البارحة ذهبت إ...