الأحد، 26 ديسمبر 2010

شوكولا (١٦)



  • أخيراً أنا في جدة...!!


يااااا للفرق بين الشرق والغرب
مذ وطئت قدماي أرض أبو ظبي شعرت بهذا الفرق..الجو الحار الرطب..العمال الهنود البائسين في كل مكان (هذا لا يعني أن بريطانيا ليس بها هنود لكنهم هناك لا يختلفون عن المواطنين الإنجليز في الحقوق والتعامل)..اختفاء كلمتي لو سمحت وشكراً من قواميس الناس..الصوت العالي والتجمع بعشوائية أمام بوابة دخول الطائرة دون الوقوف في طوابير..الفوضى في الطائرة وإزعاج الأطفال وتعامل آبائهم مع الأمر وكأن من حقهم أن يسيئوا التصرف..التحويلة التي لها أكثر من ٤ شهور أمام بيتي...
حسناً..لا أحب أن أتبنى هذا التوجه "التغريبي" في التفكير..
لكن تفاصيل الحياة الصغيرة تلك تصنع "كواليتي" الحياة ..ولا يمكن لمن عاش ولو شهراً في بلد الفرنجة إلا أن يدركها ويشعر بها..
حسناً..سأبدأ من جديد كي لا أبدو وكأنني "أتلكك"!!:
.
.
أخيراً أنا في جدة...
.
.
الحمدلله
لا شيء يعادل أحضان أمي..ومداعبات أبي..وضحكات أخواتي..وحب أخي وعائلته الصغيرة..
لا شيء يعادل الدفء بكل معانيه في جدة..




  • لا أدري لماذا أنا في بيت ماورد الآن بدلاً من أقوم بإنهاء بعض الكتابات والأعمال المهمة..


أسبوع واحد تأجل من حياتي وضعني بداخل ساندوتش بالجبنة والخس..!!
علي أن أحضر خلال ٤ أيام لثلاثة عروض وورقة عمل ..ووالداي العزيزان رتبا للبقاء في كابينة على البحر آخر الأسبوع لمدة ٣ أيام.. أشتاق للبحر وللجو العائلي المبلل بأمواجه..رغم ذلك لابد أن أنجز أعمالي..


لم أر صديقاتي بعد..وصديقتي الجاردينيا التي غضبت منها تتصل لكني لا أرد..!





الخميس، 23 ديسمبر 2010

شوكولا (١٥)

عزيزتي الكتابة...
بخصوص مرافقتك لي في كل أزمة..بخاخ ربو مثلاً؟


ألا تجعلنا الكتابة أضعف من الباقيين؟ أم إنها شجاعة في أن نعبر عن مشاعرنا ريثما الآخرون يعانون  لكنهم يصمتون ويطويهم النسيان..؟
حينما كتبت قصة انحباسنا في هيثرو ونشرتها في الفيس بوك أشفق كثير من الناس علي مع أن هذا لم يكن غرضي أبداً..كنت فقط أريد أن أشارك الآخرين تجربة لست الوحيدة التي مررت بها..
لكن يبدو أن تفسير ما يكتب يختلف من شخص لآخر..
كاتب وطني ركز على قولي بأن عودتي لجدة تبدو بالنسبة لي كالحلم وأعطاني محاضرة في حب الوطن وكيف نشعر بقيمة أوطاننا حين نخرج منها وأن لا شيء كالبقاء في الوطن..أصابني قوله بالغثيان خاصة بعد مواقف الخطوط السعودية الوطنية جداً..
آخر - وهو كاتب وروائي- رأى في القصة مادة خام لعمل سردي مختلف..يقول أن هناك كثير من المشاهد الفاتنة كتجمد قدم الصغير من البرد ومنظر الحشر في المطار..لم أستطع أن أصدق أنه يرى تلك المشاهد "فاتنة" في حين أنها قصة حقيقية وليست من أم خيالي..ابتسمت ووعدته أن أفكر في هذه الرواية مستقبلاً..
إحداهن وكانت قد عاشت في ايرلندا قبل أكثر من ٣٠ سنة لمدة ٣ شهور فقط قالت لي: "أجل مررت أنا بهذه التجربة قبلاً ، أعرف تماماً ما تشعرين به....أنه شيء متعب الله يعينك"..تعجبت فأنا لم أسمع أن هذه القصة قد حصلت قبلاً.. وأن مطار هيثرو أغلق بسبب الثلج..ثم أردفت " السبب هو السفر من غير محرم..ألا ترين كم بدا الأمر صعباً عليك" ..أبعد كل ما مررت به تقول ذلك؟ وأنا أعتبر نفسي شجاعة وقادرة على التصرف وإن كنت أعبر عن مشاعري كأي أنثى وربما أزود شوية ؟ ربمالو كان محرمي بليونيراً لاختلف الأمر وسافرنا على متن طائرتنا الخاصة..
كل ذلك في جهة..وصديقاتي المقربات في جهة أخرى..يبدو أن الأمر اختلط عليهم وشعروا أنني أختلق قصة من خيالي كما أفعل دوماً..
لم يكلفوا أنفسهم السؤال بالتلفون ولا بالإيميل ولا ماسج ..بل إن إحداهن معي على البلاك بيري وتعلم جيداً بموعد وصولي وتعرف تماماً مالذي حصل لكن الأمر لا يعنيها من قريب ولا من بعيد..!
يا للأسى..!!
هاقد عدت مرة أخرى إلى التعبير عن مشاعري بكل صفاقة..
لكن حين تتحول الصداقة إلى مجرد أسماء ،،وكم ضخم من الذكريات،، ثم مساحة بيضاء خالية بلا حتى نقطة أو علامة استفهام يصبح الأمر مربكاً..
حين تتحول الصداقة إلى أوقات سعيدة نقضيها معاً وأكواب قهوة نشربها..هدايا ثمينة ومجاملات وملامح رسمت بعناية ..يصبح الأمر مقيتاً..
حين تتحول الصداقة إلى التزام..وورقة خاسرة نصر أن نحتفظ بها..وحديث نقضي ضعف وقت قوله في انتقاء ما نقوله..يصبح الأمر مرهقاً..


مرهقة ومحبطة..أبدو كقوس انشد حتى انقطع وتره قبل أن ينطلق سهمه..
هل تشي تلك الجملة بالضعف؟ هل علي أن أكون قوية وحديدية حتى في المساحة الخاصة جداً بيني وبين الحروف؟ لو كان معي محرم هل ستكون كتابتي مبهجة وجميلة تتحدث عن لوعة الحب وألم الفراق؟ أليس الألم والتجارب جزء من بناء شخصية الإنسان رجلاً كان أو امرأة؟
أخبروني ..:إزت أوكي تو فيل دبرست سم تايمز؟


عزيزتي الكتابة: 
بخصوص أنك فاضحتني وناشرة أسراري ..موقع ويكلكس مثلاً؟

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

شوكولاتة بيضاء

الجزء الثاني من مغامرات "فروزن بريتن":



استيقظت في السادسة فجراً على تلفون من أخي..قال لي أن ثمة رحلة إضافية على الخطوط السعودية تسع ٤٠٠ راكب قد أقلعت توا من جدة في طريقها إلى لندن وأن هناك فرصة كي آتي عليها إن ذهبت إلى المطار مبكراً...
أيقظت الأولاد في السابعة ،فطرنا وعملنا تشيك آوت وتوجهنا إلى هيثرو المنكوب..
وصلت إلى كاونتر الخطوط السعودية وهالني ما رأيت ،كان أشبه بحراج ..كان الكاونتر الوحيد الخالي من الطوابير والمليئ بالتجمعات الفوضوية والصوت العالي..لا يوجد موظف تسأله أو أحد ترجع إليه..
من البداية شعرت أن لا أمل،،خاصة أن حجزي لم يكن على الخطوط السعودية إنما طمعت أن أعامل كمواطنة سعودية عالقة مع أطفالها في مطار لندن، لكن تلك الفكرة بدت لي كأمنية تافهة وسخيفة..لذا قررت أن أتوجه حالاً إلى ترمنل 5 حيث الخطوط البريطانية..
يسود النظام هذا الترمنل، لا تسمع صوت أحد رغم الجموع البشرية الغفيرة،،الكل يقف في طوابير طويييلة لكنها تمشي..وموظفون يتوزعون في كل مكان فقط للإجابة على أسئلة الركاب..بوجه إنجليزي بارد ومؤدب جدا حد الإستفزاز قابلت الموظفة سؤالي عن مصير رحلتي الملغية بالأسف على ذلك وأن علي أن أحجز في يوم آخر إذ لا مجال أبدا للسفر اليوم وفي حال قررت أن أغير الخطوط ستعوضني الخطوط البريطانية عن كل ما دفعت..



إلى هنا وقررت التوقف..كنت أحلم ببيتي الدافئ في ليدز..بسريري ..وبالاسترخاء هناك حتى تحل الأمور..
ركبنا أنا والأولاد البيكاديللي ونحن نجر حقائبنا متوجهين لمحطة الكنغز كروس حيث نستقل القطار إلى ليدز..
بعد ساعة وصلنا..ثم يا للمفاجأة..:
 كل الرحلات إلى ليدز ألغيت..لعطل في القطار حصل بسبب برودة الجو!!!
كانت هذه اللحظة من لحظات عدم التماسك..كانت نظراتي معلقة بالشاشة الكبيرة أمامي التي عليها أسماء ومواعيد الرحلات ..دموعي بدأت تنهمر وأنا لا أعلم ماذا سأفعل وإلى أين سأتوجه بأطفالي وحقائبي..
فجأة ومن وسط الزحام سمعت صوتاً يسألني بالعربية:  : أنت سعودية؟
أجبته من وسط دموعي: أجل..
قال لي: مالذي يبكيك ويزعجك؟
كان طالباً سعودياً أنيقاً يجر حقيبة صغيرة ويرتدي معطفاً طويلاً، أخبرته بالمشكلة وبأنني مشفقة على أطفالي من هذا البرد ولا أعلم كيف سأصل إلى بيتي..
قال لي تعالي معي، توجهنا إلى مكتب الاستعلامات وسألنا عن كيفية الذهاب إلى ليدز فأخبرونا أنه يمكن ذلك عن طريق شيفيلد..
تركت الأولاد في مكان آمن وجاء معي هذا الغريب لشراء التذاكر من مبنى آخر بعيد..عدنا وأحضرنا الأولاد ..جر معنا أثقل شنطة وتوجه بنا إلى البلات فورم المطلوب ..أخذ الأولاد إلى إحدى الكافيهات وطلب منهم أن يجلسوا لأن الجو في الداخل أدفئ، اشترى لهم  ساندوتشات وعصيرات واشترى لي وله قهوة وأخذ ينتظر معنا مبتسما..قلت له: هذا كثير..بإمكانك أن تذهب الآن..
قال لي: لن أذهب حتى أتأكد من أنك صعدت للقطار.
بقينا حتى فتحت الرحلة وقبل أن أصعد تذكرت شيئا قلت له: بالمناسبة ما إسمك؟ فقال لي: عماد الحربي.. أخذت رقم هاتفه وأخبرته عن إسمي لأنه حتى لم يسأل..
ودعته وأنا مندهشة وأقول في نفسي: كيف ظهر هذا الرجل أمامي فجأة..؟ اسمته سديل في الحال "ملاك " الحربي..!!!
إما أنني قد فعلت خيراً لأحد ذات يوم فأراد الله أن يكافئني أو هي ربما دعوات أمي القلقة..ما أعلمه أن الله سيكافئه بشيء كبير،،بل كبير جداً يتناسب مع امتناني وإعجابي بشاب سعودي وقف بجواري ذات يوم كئيب في إحدى محطات لندن..حمدت الله أنني كبيرة ما يكفي، فلو كنت صغيرة لما فوّت على نفسي فرصة الوقوع في هوى رجل من هذا النوع..!!

ركبنا القطار ،كان مزدحما على الآخر .. حين وصلنا إلى شيفيلد تجمدنا من البرد لعشرة دقائق ثم ركبنا قطارا آخر على ليدز..
.
.
في هذه الأثناء حصلت قصة مؤلمة لصديقتي أماني التي تحمل حجزاً مؤكداً على رحلة اليوم على الخطوط السعودية، بكل بساطة ألغي اسمها هي وأطفالها الأربعة لكي يوضع بدلاً عنهم أسماء موصى عليها..حاولت الإعتراض هي وعدد كبير من السعوديين أصحاب الحجوزات المؤكدة اللذين فقدوا مقاعدهم ببساطة.. لكن الموظف السواداني قال لها وهو يصرخ: تحدثي مع المدير السعودي ..منه تأتي الأسماء اللذين يريدهم أن يصعدوا إلى الطائرة .صرخت بريطانية كان حجزها مؤكد على متن الرحلة بالإنجليزية :هذا ليس عدلاً..نعرف أن هذه الواسطة ..لكن هذا ليس عدلاً. طبعاً نطقت كلمة "الواسطة" بالعربية لأنه ليس لها مرادف إنجليزي
لم تستطع أماني الصعود للطائرة وعادت لليدز هي وأبنائها..عادت حزينة جداً لهذا التعامل اللاإنساني وتوعدت أنها سترفع شكوى للآياتا ضد ممارسات الخطوط السعودية..خاصة أن لديها تجربة مماثلة أيام أزمة الرماد البركاني..


لم يكن إحساساً جميلاً وأنا أفتح أبواب بيتي مرة أخرى بعد مغادرته قبل ثلاثة أيام أدخل الحقائب وأعيد فتح الدفايات..لكنني على الأقل الآن على سريري الدافئ..أسمع صوت الأولاد يضحكون ويلعبون "وي"...لا أكاد أصدق ماذا حدث في الثلاثة الأيام الماضية..وكأنني كنت على موعد مع جرعة مكثفة من المرمطة والتعب ..وكأن لندن كانت مصرة أن تريني الوجه الآخر لها ..
كل من حادثني يقول لي: إنها تجربة!! وحتى هذه اللحظة أنا لا أدرك أي عمق في هذه التجربة بالنسبة لي..أما الأولاد فقد فاجئوني حقاً وكأنني لا أعرفهم..كانوا طوال الوقت متماسكين هادئين يجيدون التصرف ومساعدتي إن لزم الأمر.. يملئون الوقت ضحكاً ولعباً أينما كنا..كنت أعرف أن سارية الصغير أصيب بالتعب والإحباط حين يمشي وعيونه معلقة بي جارا حقيبته خلفه بصمت..لم يكن يطلب من أحد أن يحمل عنه حقيبته .ولم يشكو ولا مرة من أي شيء..


أسيل لها نظرة مختلفة للأمور..بعد حكاية  السائق الباكستاني الذي أوصلنا بالباص للفندق ليلة إغلاق المطار قالت لي: ماما..كأننا أبطال في فلم..ثم أضافت : فلم هندي..ثم أضافت: فلم هندي مسلم..! وبسبب كل الأفكار والمحاولات للسفر التي كنا نترقبها ثم تبوء بالفشل قالت لي: الآن أنا جربت إحساس "اليويو" !!


بريطانيا التي لا تزال تصر أنها عظيمة عليها أن "تلقط وجهها" أمام العالم..سمعة هيثرو العالمي غدت في الحضيض ..أجل! كانت الأجواء مثلوجة لكن ماذا عن مطارات أخرى في كندا والدول الإسكندنافية والتي لم تغلق يوماً؟ يتناقش الإعلام يومياً في هذه القضية إذ أن هيثرو غير مجهز بأحدث الأدوات التي تساعده على تجاوز الأزمات في هذه الظروف..بعض المحللين يقولون لأن هذا الثلج غير معتاد بهذا الشكل( لم ينزل على لندن بالذات ثلج بهذا الشكل منذ أكثر من ١٠٠ عام) لذا فإن المطار غير مستعد..ومحللون آخرون يلومون الحكومة التي قلصت الصرف في شتى المجالات  مما جعلها غير قادرة على مواجهة أزمة كهذه ..ومنهم من يقول أن على الحكومات صرف أموالها في مسألة" تغير المناخ" والذي أخذ يسبب كثيراً من المشاكل كل عام عوضاً عن صرف الأموال في مواجهة كوارث نتيجة هذه التغيير..








ما علينا..! على بريطانيا العجوز أن تحاول إصلاح ما أفسده"الثلج" ...!!!


نعود مرة أخرى لصديقتي أماني التي تشعر بالغضب الشديد من الخطوط السعودية..تلك التي هي أصلا سمعتها "مضروبة" لكنها تجيد في كل مرة اختراع قصص جديدة وممارسات لا يصدقها عقل ..انتهى يوم البارحة باستنجاد موظفين الكاونتر السعودي بشرطة المطار اللذين دخلوا مع كلابهم لطرد من تبقى من المسافرين السعوديين اللذين كانوا يقفون في الطوابير لأكثر من سبع ساعات وهم لديهم حجوزات مؤكدة..هذا التعامل الفريد من نوعه كان فقط أمام كاونتر الخطوط السعودية..بقيت أماني تبكي طوال الطريق من لندن لليدز : قالت لي أبكي كرامتي المهدرة..أبكي الطريقة التي انطردت بها أنا وكثير من الرجال السعوديين المحترمين من المطار..فقط لأننا السعوديين اللذين ليس لدينا واسطة
 (أماني بالمناسبة أستاذ مشارك في جامعة الملك عبدالعزيز)
أنظر في جدول الرحلات، لماذا هناك أكثر من ٥ رحلات يومياً إلى دبي وهي من أكثر الوجهات التي لم تتعرض للألغاء والتأجيل..بل إنهم زادوا عدد رحلاتهم في مطرات أخرى كمانشستر وبرمنجهام..أما السعودية - وهي تعلم عدد طلابها ورعاياها في المملكة المتحدة- تتصرف وكأن الموضوع لا يعنيها طالبة منا في صفاقة أن نؤمن بالقضاء والقدر..! في وسط كل ذلك يرسل لي صديقي كاتب الوطن ثامر شاكر أن مشكلة كهذه تجعلك تحبين وطنك أكثر وترفضين مغادرته وتشعرين بقيمة البقاء فيه..قلت له " دع عنك الوطنية بالله وتحدث بإنسانية ..ولا ترفع ضغطي أكثر"

متى سآتي إلى جدة؟ قريباً إن شاء الله..صرت أخاف من مجرد فكرة السفر وأترقب الأجواء بكل حذر


مراسلتكم من فروزن بريتن : أروى 




الاثنين، 20 ديسمبر 2010

ليست شوكولا أبداً...

الساعة الآن الرابعة فجراً وأنا لا أستطيع النوم أو الأكل أو حتى احتساء قهوتي منذ يومين..
عالقة في فندق ما بجوار مطار هيثرو منذ مساء السبت الكئيب حين أغلق المطار وألغيت كل الرحلات وأصابت الفوضى الأندر جراوند وكل وسائل المواصلات..وصل البرد حداً لا يطاق وامتلئت الفنادق على آخرها وافترش ألوف المسافرين أروقة المطار...
كانت ليلة لا تنسى ..جررنا أنا وأبنائي حقائبنا في الثلج حين أصاب العطل الأندر جراوند قبل المطار بمحطتين واضطررنا للنزول إذ نفاجئ أن كل الطرق المؤدية للمطار أغلقت وكل الرحلات ألغيت..

يا للورطة!!!
.
.
أين أذهب بالله بهؤلاء الأطفال في هذا الليل وسط الثلج وأنا في إحدى ضواحي لندن؟ كنا ذاهبين إلى جدة..ولم نكن نرتدي ملابس شتوية مناسبة....سارية الصغير يجر حقيبته في الثلج ويبكي بصمت لأن قدمه قد تجمدت..بنطلوني وجوربي مبللان على الآخر..وعاد ألم الساقين المؤلم لأسيل..أما سديل فتبتلع ألمها الهرموني الشهري وتمشي في هذه القافلة بصمت.. 
أكثر من ساعة وقوافل المسافرين تتجول بحقائبها في هذاالثلج بدون هدى...أشفق علي سائق باص باكستاني مسلم ودعاني للدخول إلى الباص أنا وعائلتي، أخبرته أنني أبحث عن أي مكان أقضي فيه ليلتي فأخذني بالباص إلى فندق قريب،لم يطلب حق ركوبنا بالباص وقال لي أنه وزوجته مستعدان لاستقبالنا في منزلهم إن لم أجد مكانا في الفندق، شكرته بحرارة ودعوت له بصدق أن يدخله الله الجنة من أوسع أبوابها..
في الفندق كان الرد الأول: آسفون لا يوجد غرف..وبسبب ملامح التعب علي وعلى الأولاد وعدني الموظف أن يحاول إيجاد غرفة لي، حين أخبرني أن ثمة غرفة شاغرة كنا نبدو كمن وجد كنزاً فجأة..
في هذه الأثناء كانت صديقتي أماني قد وصلت قبلي للمطار حين أخبروهم بإلغاء كل الرحلات وإخلاء المطار..أتعرفون ما معنى أن يلغي مطار بحجم هيثرو- يعد من أكبر المطارات في العالم ، إن لم يكن أكبرها-رحلاته؟ كانت أماني تقول لي ..المنظر أشبه بيوم الحشر، ولا من مجال لإيجاد غرفة في أحد فنادق المطار أو حتى ركوب تاكسي إلى أي مكان، بعد عناء وعدة ساعات وصلت أماني كاللاجئة إلى بيت إحدى صديقاتنا في لندن..كان ابنها الصغير قد ارتفعت درجة حرارته أثناء ذلك وأصيب بالحمى نتيجة البرد والتعب..
نام أولادي من التعب وأنا لم أستطع النوم..كنت في وسط دوامة من المجهول، لا أعلم إلى أين أذهب أو ماذا أفعل ومالذي سيحصل في اليوم التالي..
استمر المطار مغلقاً في اليوم التالي..ألغيت رحلتي على الخطوط البريطانية والخيارات أمامي أن أعيد الحجز من جديد في وقت آخر أو أن أستعيد نقودي..
فريق في جدة يتكون من زوجي وأبي وأخي وكل من لنا صلة به في الخطوط لمحاولة إيجاد حجز على أي خطوط إلى أي بلد تقربني من جدة لكن ذلك كان مستحيلاً والمطار ما زال مغلقاً لا تقلع منه أي طائرة ولا يستقبل أيضاً...وأفواج المسافرين تنتظر،،!!
قررت الرجوع إلى ليدز لكن أيضاً خطوط القطارات متأثرة والإلغاء والتأخير أمر محتمل لكل رحلة، أثناء هذه اللخبطة كان موعد التشك آوت في الفندق وأخبرتني إحدى الموظفات أن علي إخلاء الغرفة حالاً لأنها محجوزة لشخص آخر..
كنت متماسكة منذ البداية..لكن..في هذه اللحظة لم أستطع التماسك وبكيت..لا أستطيع السفر إلى جدة ولا العودة لبيتي في ليدز ولا من مكان أبقى فيه في لندن ..!!!
بعد محاولات وافق الفندق على تمديد ليلة أخرى لي..بعدها طلب مني زوجي أن آخذ الأولاد وأخرج من الفندق إلى أي مكان لتناول الغداء وتغيير الجو الكئيب وفعلاً تقابلنا أنا وأماني وأولادنا في مطعم لبناني حيث تناول أطفالنا الطعام بشراهة...!!! يبدو الناس في كل مكان أصدقاء إذ أن هماً مشتركاً يجمعهم حين نسفت خطط عطلات الكريسمس كلها بسبب الأحوال الجوية.. 
وضعي المالي أصابه إعصار بسبب هذه الظروف التي لم تكن على البال..وجدولي في جدة نسفه الثلج..أمسيتي ألغيت ..وحماس أطفالي للذهاب إلى جدة أصيب في مقتل..ولازلنا نلبس نفس الملابس فحقيبة جدة ليس بها ملابس شتوية..
حين سمعنا مساء اليوم ونحن في الفندق صوت طائرة محلقة في الجو وقفنا كلنا مشدوهين عند النافذة وكأننا نرى طائرة لأول مرة في حياتنا..فتح المطار ولكن بعدد محدود جدا من الرحلات لا يسمن ولا يغني من سفر..
لا أفعل شيئاً إلا الانتظار ومتابعة الفوركاست في أكثر من ١٠ محطات..مشاهدة الأخبار والتأكد من هيثرو ومحطة القطار كل ساعة ..الآن ..أنا لا أعرف مالذي سيحدث..لا أعلم إن كان بوسعي العودة إلى ليدز اليوم والانتظار هناك حتى يسهلها الله

..يا الله..كم يبدو العودة إلى جدة في هذه اللحظة حلماً من الأحلام ..كم تبدو الحياة الطبيعية البسيطة ترفاً ..وكم أبدو كئيبة وحزينة ومحتارة!!!

السبت، 18 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٤)

ما زلت على سريري ..أشرب قهوة الصباح وأتابع أخبار الطقس..القطارات،الآندرجراوند،هيثرو..بعد أن سقط الثلج على غفلة منا ونحن نائمون..
إنه تماماً كما أحبه..ليس كثيفاً للحد الذي يربك المواصلات ويقفل المطارات..
ربما هو فقط يودعني ويذكرني أنه خلال ٢٤ ساعة سترتفع درجة حرارة أجوائي لأكثر من ٣٥ درجة دفعة واحدة..
ستكون أيامي في جدة حافلة...أمي رتبت معي أن أذهب معها لزيارة صديقتها التي صارت جدة..أخواتي يجهزون كي نقضي ٣ أيام في البحر..وأمي تسألني عما أريد على الغداء غداً...! هذا عدا جدولي الشخصي والذي يتضمن تجديد الفيز وزيارة دارة بن زقر لجمع بعض المعلومات لعدة أبحاث سأكتبها..وأشياء أخرى ..
أعيش لأسابيع في فراغ بدون جاذبية ..وفجأة تتكدس الأشياء وتتصادم وتتعارك لأن تجد لها مكاناً خلال أسبوعين فقط..


عزيزتي الحياة..بخصوص هذا الزحام المفاجئ في جدولي ..تحاولين تقليد الحج مثلاً؟


الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٣)


  • عزيزي العمر...


بخصوص تجاوز السرعة..إيش رأيك تهديها شوية...ولا نحطلك مطبات مثلاً؟ 


يبدو أن عمري سيرتكب حادثاً أليماً بسبب سرعته المفرطة..أو ربما هو يحتاج نظام ساهر لمراقبته..هو لا يعلم أن ثمة " أبناء " بانتظاره..


  • إلى أصدقائي في جدة: يوم الثلاثاء ٢١/ ١٢ سيكون لدي أمسية في مكتبة جسور عن كتاب على الأرجوحة تتناثر الأسرار..ستقدم الدكتورة لمياء با عشن قراءة في الكتاب..ثم سأقرأ أنا بعض المقاطع مع الحديث عن تجربتي الشخصية..وفي يوم ٢ جانوري هناك أمسية أخرى في دارة صفية بن زقر بعنوان: رحلة في متاحف لندن
  • وإلى أصدقائي في الرياض: سأكون يوم الأحد الموافق ٢٦/ ١٢ في جامعة الملك سعود ضيفة على المجلس الأدبي للحوار حول تجربة الكتابة للطفل وأيضاً الكتابة للكبار ...
ستأتون؟ أتمنى ذلك ..فبعد انقطاع لأكثر من سنة عن مثل هذه المناسبات أشعر بالتوجس والغربة..!!! لكن هذا الكتاب المسكين..ألا يحتاج مني بعض التفات أسوة بأخوته؟



رحمك الله يا دكتور غازي..كم كنت أتمناك ضيفاً في أمسيتي،،حتى وإن كنت أعلم أنك لا تحب حضور مثل هذه المناسبات ولا وقت لديك ..معك تعلمت أن شرف المحاولة يكفي..


  • لست حواسة..ولا أغرق في شبر موية كما تقول..فقط أنا بعيدة ..والتحكم عن بعد خيار جيد فقط للتلفزيونات والمكيفات !!! مهما كان،،علي أن أتذكر أنني ألقيت بكل ما يزعجني هناك في القارورة في قعر نهر التايمز..!!


الأحد، 12 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٢)


  • استيقظت هذا الصباح متوجسة...

لا يعجبني هذا الإحساس..
أبدو كمن يترقب وهو خائف..!!!





  • قبل يومين كنا في لندن أنا وصديقة الرحيل..

بعد رحلتي الجامعية إلى لندن صار لخطواتي فيها وقع آخر..
قبل عدة سنوات كنت متحفظة تجاهها وكانت هي لا تأبه..
الآن فقط بدأنا نلتفت لبعضنا ونبتسم..


أهديتها عربون صداقة لا ينسى : رسالة أودعتها قارورة زجاجية وألقيتها منتشية في نهر التايمز..
كتبت في الرسالة ما يثقلني،،،ما أود أن ألقيه كي أتخفف منه وأمضي في حياتي الباقية بدونه..
ألقيت القارورة ولست على ثقة من أن أحدا ما سيجد حروفي العربية ويرد على رسالتي..




لندن...أيتها المبهرجة..
هل يمكنك حقاً بكل جبروتك وسطوتك وغرورك أن تلتقطي يدي التي مددتها لك مصافحة وتنقليني إلى ضفة أخرى من الحياة؟ 





  • بعد أيام سأعود إلي جدة في إجازة الكريسمس..

أهلي لا يعلمون أننا قادمين،،حتى وأن نشرت هذا السر في بيت ماورد سيظل سراً..
يعيش الأولاد نشوة السر والمفاجأة..يضعون سيناريوهات مختلفة ويرتبون تنفيذها..
لن تكون إجازة أبداً ،،فلدي هناك برنامج حافل ..

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

شوكولا..(١١)



أشعر بالسعادة..منذ البارحة..


صار لقلبي عينان وفم..عيناه متألقتان وفمه مبتسم:)


لم أكتب رسالة ، فما علمته أن أبلة نجاة ليست نتية أبداً..أما كيف توصّلتْ لي فقد عثرتْ أمينة المكتبة في نفس المدرسة- لا أعتقد أنها تعرفني- عن أمنيتي التي كتبتها في بوست "شوكولا ٥"  ..ثم أرسلتْ ماسج لأبلة نجاة تخبرها أن هناك من تبحث عنها..


(بالمناسبة..شكراً لك أيتها الأمينة..:) شكراً لأنك أهديتني أمنية عيد لطالما تأجلت..إن كنت تقرأين هذا البوست فأخبريني كيف عثرت علي؟)


المهم ..قررتُ أن أحادثها بالهاتف ..كان الوقت متأخراً بتوقيت السعودية حين حصلت على رقمها لذا قررت أن أنتظر لليوم التالي..
 في الجامعة مكثت طويلاً ولم أعد إلا الساعة الخامسة لكنني كنت مبتهجة كمن تحمل سراً في قلبها طوال اليوم..
فجأة تكاثفت صور من الطفولة في مخيلتي..احتشدت مشاعر من ذاك الزمن في قلبي وأنا أضرب أرقام الهاتف ..
جاء الصوت الذي أعادني ٢٤ سنة إلى الوراء ليؤكد لي أنه بانتظاري..بانتظاري أنا ..أروى في فصل أول متوسط ج.
يا لها من مدة طويلة..يا له من عمر كامل..من أين نبدأ وماذا نقول ؟
تحدثنا كثيراً ،،أو ربما قليلاً قياساً بكل ما مضى من سنوات..




ذلك الصوت..تلك اللهجة ..وذلك الإسم يمثل مرحلة كاملة من عمري أتت "كباكج "كامل لا يتجزأ بخليجها،شتائها،شاطئها ونصف قمرها،خنافسها الحمراء في الحديقة،التزلج طوال النهار في الشارع، والإنسداح على "طعوس" الرمل مساء..


قالت لي: خفت أن تترددي ولا تتصلي..قلت لها: كيف أتردد وأنا التي كنت أبحث عنك طوال السنين الماضية؟..أتمنى أن أشاركك صدور كل كتاب كتبته.. أسمع صوتك وأعترف بجميلك وأطمئن أنك بخير..!
طوال المكالمة كانت تصر أنني المتميزة وكنت أصر أن المعلمين المتميزين هم اللذين يصنعون الإنسان المتميز..ولا أظن أننا اتفقنا في النهاية..
.
.
لم تنته المكالمة وإن كنا أغلقنا الخط.. فلا يزال هناك الكثير الذي لم نقله بعد..!!
.
.
عيناي تدمعان شجناً وأنا أردد قول علوان" يؤجل الله أمنياتنا ولا ينساها"

الأحد، 5 ديسمبر 2010

شوكولا..(٥) مرة أخرى

عودوا بالله مرة أخرى إلى قراءة بوست الشوكولا الخامسة وستفهمون سبب ارتباكي..!!!
.
.
.قرأته عدة مرات هذه الليلة..وفي كل مرة أشعر أنني عدت فتاة في الثانية عشرة ألعب مع صديقاتي منى وعبير في فناء المدرسة المتوسطة..
.
.
.


كيف يمكن أن تتحقق أمنياتنا البعيدة كالنجوم بهذه البساطة؟
كيف يمكن أن يعثر علي ابنها ..هكذا بهذه البساطة..وفي هذا الفضاء الإلكتروني الملبد بالكتّاب والمواقع؟
كيف يمكن أن أشعر بالارتباك من مجرد كتابة رسالة لأرسلها حالاً بالإيميل..!
.
.
ساعدوني..ماذا يمكن أن أقول في هذه الرسالة؟
إلى معلمتي الملهمة..
لا..
إلى قلم رصاص بهت على الورق لكنه لم يبهت في الذاكرة..
أيضاً لا..
إلى صوت وخط وروح ما زلت أذكرهم..
إلى من أشربتني حب اللغة والحرف وتهجي الحياة..
إلى من علمتني تذوق الشعر وحفظه والمباهاة به..
إلى من كنت أزعجها بكثرة مخطوطاتي السخيفة رغم ذلك أقابل بكل ترحيب..
..
كيف يمكن الآن أن لا أعرف ماذا أكتب؟وأن أعود صغيرة خجلة ترنو إلى نظرة تشجيع من معلمتها وأنا دكتورة في الجامعة..
يا للإحساس الغامر الغامر..
.
.


حسناً ..سأحاول ،،أعدكم أن أحاول الكتابة وأن أطلعكم على الرسالة..








شيء أخير: ..إن كان لديكم أمنيات فألقوها في بحر الحياة ولا تخافوا غرقها..قد تعود لكم باسمة مع أول موجة..

الجمعة، 3 ديسمبر 2010

شوكولا..(١٠)

في اليومين السابقين ضربت بريطانيا موجة ثلجية أغرقتنا..أغلقت المطارات وتوقفت كل وسائل المواصلات وحجز أبنائنا في المدارس ووصل الثلج حدا لا يصدق...
البارحة كانت المدارس مغلقة نتيجة لظروف الطقس لذا كان أبنائي في البيت وكان لدي رحلة مع الجامعة إلى مانشستر مقررة سلفاً..راسلنا الدكتور مارك يسألنا إن كنا نود الذهاب رغم الظروف إذ أن القطارات إلى مانشستر لم تتوقف..
كان أكبر تحد لي الوصول إلى محطة القطار في الوقت المناسب نتيجة لإغلاق الطرق..وفعلاً وصلت وهناك قابلت مارك و١٢ طالب آخر من بينهم صديقتي إليزابيث ..
محطتنا الأولى حين وصلنا كان متحف الفن في مانشستر Manchester Art Gallery
المتحف كان مختلفاً عن المتاحف التقليدية،، على سبيل المثال:

  • المعروضات العالمية في قاعة الأعمال الفنية لم تكن مقسمة حسب التسلسل الزمني ولم تكن مقسمة حسب انتمائها الجغرافي ولكنها كانت مقسمة حسب موضوع أو "ثيم" معين..مثلاً :  ما يخص المناسبات الاجتماعية كان معروضاً معاً سواء كان زي أسود قديم يلبس في العزاء في أوروبا..أو ملبس طفل أبيض يلبس عند بلوغ الطفل ٣ شهور في انجلترا أو جرة في الهند من العصور القديمة يوضع فيها رماد الميت بعد حرقه أو مجسم من الصين يرمز لفكرة تناسخ الأرواح عند الممات والولادة..بهذه الطريقة جمعت ثقافات العالم وعرضت عبر الأعمال الفنية. وهذه الطريقة تطبيق لنظرية النظر "بعولمة" إلى ثقافات الشعوب القديمة..
  • كان هناك قاعة تفاعلية جميلة..كل عمل فني يمكن أن يطبق عليه فكرة تفاعلية يقوم بها الزائر..الأفكار بحد ذاتها كانت مبتكرة وكأنها أعمال فنية إبداعية لا تقل جودة عن العمل الأصلي المقتبسة منه..
  • في قسم المعارض كان هناك معرض لفنان مكسيكي كندي اسمه:Rafael Lozano-Hemmer المعرض كان إلكترونيا ، كان الفنان يعتمد على الضوء والظل والصوت والتكنولوجيا وتفاعل الزائر واللعب على مشاعره الذاتية..مثلاً هناك عمل فني يحول نبضات قلب الزائر إلى ومضات ضوئية وآخر يجعل من بصمات الزوار عملاً فنياً وثالث يقحم صورة الزائر لتكون ضمن قطع فسيفساء التي تشكل مع صور الزوار السابقين لوحة كبيرة.. 



لم أر في حياتي شيئاً كهذا..حقاً قدم الفنان مفهوم حديث جداً لفكرة "العمل الفني" واستغلال التكنولوجيا..وبالمناسبة تحدثت معنا إحدى أمينات المتحف حين وصلنا عن الفريق الضخم الذي يعمل في هذا المتحف والجهد والدراسات التي يطبقونها كي يصل العمل إلى هذا المستوى وفي كل طابق كان مارك يذكرنا أنه لا فصل بين النظرية والتطبيق وأنه من رحم النظريات التي قد تبدو جامدة تولد الأعمال والمشاريع العظيمة..! 

تجولنا بعد ذلك ونحن نرتجف من البرد في أنحاء المدينة..مارك المهووس بالعمارة والمباني وحارات المدن كأروقة للتاريخ والفن كان يشرح لنا علاقة التغيرات السياسية بتصميم مدينة مانشستر وطابعها الفني أذ أنها مدينة الريديكالية في انجلترا وفيها تمت حركات تحرير العمال أيام الثورة الصناعية من ظروفهم المعيشية السيئة كما أنها كانت تدعم أمريكا في حركة تحريرها للعبيد حتى أن أمريكا أهدت مانشستر تمثالاً لإبراهام لنكولن -محرر العبيد وموحد الولايات المتحدة- لا يزال قائما في ساحتها حتى الآن.

  قلت لمارك: أتمنى أن ترافقني في جولة كهذه في مدينتي جدة..أنت تجعل لتاريخ المدن عبقاً ومعنى آخر..!

المكان الأخير كان  The Imperial War Museum
كنت بردانة ومتعبة ولم أكن متحمسة للذهاب إذ كنت أظنه متحفاً يضم مقتنيات تعود للجيش البريطاني..لكن كان الأمر مختلفاً تماماً..المتحف كان يعرض التاريخ الإجتماعي للأمم من خلال الحروب..لم يكن يركز على حرب بعينها أو أمة أو عدو إنما كان يتناول الحرب كمعنى مدمر تتشارك فيه الإنسانية بغض النظر عن السياسة والدين..

مبنى المتحف كان غريباً، كان مقتبساً من المتحف اليهودي في برلين..كان بلا نوافذ ولا ضوء، مجرد شقوق في السقوف العالية تشعرك أن طائرات حربية تحوم فوقك..الجدران بيضاء مصمتة وتقسيم المساحات الداخلية تشعرك بالضياع والحيرة وهذا ما أراده مصمم المتحف تماماً..


كان المتحف يعرض أنواع الأسلحة ..أنواع ميتات الناس في الحروب..ماذا فعلوا بعد الحرب..الهجرة وإعادة بناء المدن المتدمرة..ضحايا الحروب من الأطفال..
في ساعات محددة كل يوم تتحول كل الجدران البيضاء إلى شاشات كبيرة تعرض أفلاماً  عن الحرب والأسلحة وتجارب الناس.. الأفلام التي تحوطك من كل مكان تعرض بالأبيض والأسود والمؤثرات الصوتية من أصوات انفجارات ومسدسات وصرخات تحاول أن تضعك في قلب الحدث..
رغم أن هناك صورا ومقتيات من حرب العراق وحرب الخليج والحرب العالمية الأولى والثانية لم أصادف صوراً أو معروضات من الحرب الدائرة في فلسطين..فأصبت بالانكسار..
كنت أناقش هذا الأمر مع إليزابيث..قلت لها: بريطانيا ودول الكومنولث يعيشون في سلام ورخاء لذا لديهم القدرة والشجاعة على عرض معاناة تاريخ من الصراع بهذه الحيادية والوضوح رغم عدم تعرضهم لليهود وفلسطين لأسباب سياسية..أما نحن فما زلنا تحت وطأة الذكريات القريبة والمستمرة،،لا زالت الحروب وأسبابها وتداعياتها جرحاً في قلب الأمة..لا زال هناك طفل فلسطيني وعراقي ولبناني ينظرون للحرب كحياة يومية وليست حقائق قديمة قابلة للعرض في متحف...!!
تساءلت : لماذا تخلو مناهجنا في التاريخ من مثل هذه المواضيع؟ لماذا لم ندرس في المدرسة يوماً عن الحرب العالمية الأولى والثانية؟
.
.
في آخر اليوم عدنا إلى ليدز ونحن نرتجف برداً ونتضور جوعاً....وننضح أفكاراً...!!



الاثنين، 29 نوفمبر 2010

شوكولا..(٩)


هذا البوست لك يا صديقة الغربة "حنان": 
تعالي بجواري..هاك قهوة دافئة في هذا الشتاء القارس وقطعة شوكولاتة حاولت أن أضعها في المايكرويف قليلا حتى أقضي على تجمدها البارد:


الغربة..ذلك مصطلح غدا يغزو جيلنا بشراسة،،لوهلة تذكرت شعراء المهجر وأدب المهجر..!
أتظنين أنه مع موجة الإبتعاث سيظهر جيل جديد يطلق على نفسه جيل الابتعاث وأدب يسمى أدب الغربة..
أظن أن ذلك وارد..!
هذا جيل عجنته الغربة..وغدا قلبه يدرك معان لا يدركها غيره : كقيمة تجمع عائلي كان يهرب منه..أو صوت أذان كان يسمعه خمس مرات في اليوم.. أو كتاب بحروف عربية يتدلل بجوار سريره.. بل أبسط من ذلك: طعم الجبنة الكاسات مع العيش التميس..
هذا جيل أدرك قيمة العمل والإنسان والاعتماد على النفس..قيمة اتخاذ قرارات وخيارات مختلفة تحدد منحى حياته..جيل صهرته الوحدة وصار يدرك أن الصمت جلال،، وأن الدمع بسيط جداً أمام لهيب القلب وغربته..
بالطبع ليس الكل يتعامل مع تداعيات هذه التجربة بنفس العمق..ولكن لا تظني أبدا أن من يمر بهذا النفق يخرج  كما دخل..
لابد أن هناك نواح إيجابية ومشرقة وأخرى مظلمة ومرهقة..
ونحن في هذا النفق نتوكأ على ما نحمله من أمل..من حلم..من دعوات الأمهات،،ومشاركات الأصدقاء التي تضيء كمشاعل صغيرة..
.
.
تعلمين يا حنان..
حتى ابني الصغير حين أسررت له أننا قد نذهب إلى جدة في إجازة الكريسمس..فرح وتحمس وابتهج..
ثم أطرق مفكرا ووجهه محتار ثم قال: كيف يمكنني أن أحمل ليدز إلى جدة؟ أنا أحب "الباك يارد" وأحب الثلج..أحب مدرستي وصديقي وجاري آدم..
.
.
أرأيت أي حيرة وقع فيها هذا الصبي الصغير ذو الست سنوات..؟
أرأيت كيف يشعر بالانتماء إلى هنا وإلى هناك؟
وكيف يمكن أن يتقسم الإنسان وذكرياته وطفولته على مشرق الأرض ومغربها ومطاراتها وطقسها؟
.
.
لا بأس عليك يا حنان..
نحن هنا..في بريطانيا..في كندا..في أمريكا..وفي السعودية..
ثمة شيء يجمعنا ويوحد بيننا ..
ألسنا نرى ذات القمر؟ وذات الشمس؟ 
وأن كنا نراهما في أوقات متفرقة..إلا أن هذه الفكرة تجعلني أبتسم..وأدرك أن الكون كله لله أينما كنت..
.
.
.
دفئي قلبك..ويديك في هذا الشتاء القاسي الكئيب ..
انتظري الربيع .. وكوني بخير دوما يا صديقة..:)

السبت، 27 نوفمبر 2010

هوت شوكولا..(٨)


  • اكتشفت أن مزاجي هنا طقس بريطاني بجدارة ... متغير، بارد، هاطل، مبلل، دامع..وأحياناً دافئ..!



  • قال لي صديق يقرأني أحياناً : لماذا هذا الاهتمام بتغيرات الطقس دوماً؟..أطرقت لوهلة وشعرت أنني يمكن أن أعمل مذيعة نشرة جوية بطريقتي:

- اليوم انسكب على الجزء الشمالي الغربي من الجزيرة البريطانية سكر مرشوش ناعم في ساعات الصباح الأولى..يبدو أن الملائكة ظلت مستيقظة لوقت متأخر..
- من المتوقع أن  تهب غداً معركة وسائد في السماء وقد قررت السحب أن تدافع عن خطوط حدودها بضراوة..من المتوقع أن يستمر تساقط القطن من الوسائد المحشوة المستخدمة في المعركة حتى منتصف الليل .. 
- استقبلت مطارات السماء صاحب السمو الملكي "القمر" في حفل مهيب من النجوم والشهب..الجدير بالذكر أن الشفق قبل أن يرحل قدم لوحة رائعة من ألوان بهذه المناسبة..
- تجمعت دموع كل الحزانى في العالم لتتساقط في تظاهرة سلمية استمرت طوال اليوم..في طرف المدينة حدثت بعض المعارك البسيطة التي اشترك فيها البرق والرعد إلا أن الشمس استطاعت أن تفرق التظاهرة دون أي خسائر في الأرواح..


  • الثلج في الخارج يسحب الألوان من الدنيا وينسكب كمبيض يصيب كل شيء بالجلال والصمت...والبرد



اسم هذا البوست هوت شوكولا..أليس لذيذاً في البرد؟


الجمعة، 26 نوفمبر 2010

شوكولا..(٧)

هل نحن اللذين نصعب الحياة على أنفسنا إيماناً بأننا يجب أن ندفع بحدود قدراتنا للنهاية...؟
الآن ..أنا أشعر بالملل والتعب..وحين أنظر إلي أعرف أنني من ورّط نفسي..
من قال أن حصولي على الرخصة البريطانية مسألة تحدي رغم عدم احتياجي لها؟
من قال أنني يجب أن أدفن نفسي في كومة كتب لكتابة مقالين طويلين أسلمهما قريباً؟
من قال أن علي قراءة كل تلك الكمية يومياً لدرجة الملل من القراءة التي لم أكن أمل منها أبداً؟
من قال أن علي فراق زوجي وأهلي وصديقاتي والتغرب في سبيل "الحصول على تجربة جديدة"؟
أعرف أن ثمة إجابات قوية ومقنعة أستطيع أن أرد بها على كل تلك الأسئلة في ثقة مفرطة...
.
.
لكني ما زلت أسألها وأنا أرى الطريق متعرجاً بلا نهاية أو مرفئ.. !
أسألها وأنا أتشكك في مقولة "لكل مجتهد نصيب" وهل يتساوى النصيب في النهاية مع كمية الاجتهاد المبذول؟
أسألها وأنا أجلس فوق سريري في غرفتي وحدي أتأمل الليل الحالك راجية أن يكسر صمتي أي صوت يجيد التغلغل في أعماقي .
أسألها وثمة حالة شجن تعصف بي وتهمس لي أن علي أن أكون أكثر تطلباً وانتقائية في خياراتي المقبلة..أو ربما علي أن أجرب أن أكون أكثر بساطة وامتناناً..
أسألها وأنا أضيق ذرعاً بي حين أفلسف كل شيء وأحمله فوق طاقته ناسية كيف أكون ماضية في الحياة غجرية بلا سقف..
..
..


أشعر بالأسى لأنني لم أر أختي لأكثر من سنة ولا أظن أنني قد أراها قبل سنة أخرى..لأنه قد فاتني انجاز الحمامة مع أختي الصغيرتين التي تقول أصغرهما بعد نجاح مشروعهم أنها في حالة غيبوبة من السعادة..لأنني لا أملك كتاباً عربياً بجوار سريري أغذي به روحي المطفأة ..لأن قلمي لا يزال مهاجراً تاركاً لي ثرثرة مسائية في بيت ماورد فقط.. لأنني أشيح بوجهي عن هذا الليل الأسود باتجاه قهوة أمي الحلوة البيضاء..
.
.
أشعر بالأسى لأن الغربة تمكنت مني ..وأكثر ما أخشاه أن أحمل غربتي معي حتى لو عدت!
.
.
أشعر بالأسى..!!!

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

شوكولا..(٦)


  • عدت من الجامعة قبل الرابعة بقليل وأنا أشعر بصداع فتاك..قررت أن آخذ غفوة لمدة نصف ساعة ..نصف ساعة فقط واستيقظت لأرى الدنيا تسبح في ظلام دامس..الليل هنا لا "يهبط" كما تعودنا أن نقول..إنه يهجم بشراسة، يكبل باقي اليوم، يحبسه ، يركله ، يرغمه أن يكمل ما تبقى منه متعثراً في ظلمته...

وأنا أمام هذا الهجوم المفاجئ أرتبك..لا أعرف كيف أبدأ اليوم وأعيش وسطه ثم أنهيه..!!



  • اليوم في الجامعة كان الحوار حول مقتنيات المتاحف من العرقيات الإثنية المختلفة..وكيف يتم النظر إليها ومعاملتها ..تفسيرها وإدراجها ضمن أجندة المتاحف ذات السياسات المختلفة..

لم يعجب حديثي د. أبيجل ولا باقي المجموعة حين تحدثت عما يحدثه عرض هذه المقتنيات بفكر أوروبي من تفريغ لقيمتها الثقافية والدينية في سبيل تأكيد فكرة أننا كلنا متساوون والتركيز على فكرة تشابه الثقافات بدلا من إختلافها..
استشهدت بما شعرت به في المتحف البريطاني حين نظرت إلى نسخة من المصحف الشريف مكتوبة بخط اليد منذ القرن السابع عشر أو ربما قبل ذلك..ومعروضة في سياق الحديث عن التصميم والخط والزخرفة..والمصحف بالنسبة لأي مسلم أكبر من ذلك بكثير...!
أيدتني في فكرتي بشدة فتاة أمريكية يهودية كانت تشعر بذات الإحساس حين كانت تمر من مقتنيات لها قيمة يهودية دينية لكنها تفسر وتعرض كعمل فني أو تاريخي فقط....
..
"أماندا" أمينة الآرت جاليري كانت تقول: لم نحن في الأصل نجمع مقتنيات من الماضي ونحبسها بعيدا عن سياقها في المتاحف؟ أهي طريقة لأن نفهم أنفسنا ونحدد موقعها ونعيد فهمها من جديد بطريقتنا؟ أهي وسيلة لإعادة تفسير التاريخ؟
ما الهدف إذن من متحف الهولوكوست في برلين؟ لماذا الإصرار على الإحتفاظ بذكرى مؤلمة في التاريخ- إن كانت هذه الحقيقة فعلا موجودة- بكل هذا الشغف؟ لم إصرار المتاحف الأمريكية على الإحتفاظ برفات من حضارة الهنود الحمر التي لا تعترف بها أمريكا أصلا كحضارة لسكان أمريكا الأصليين؟ أهو للتذكير بروح الرأسمالية وإثبات للقوة المهمينة؟
أهذا ما تفعله المتاحف البريطانية حين تحتفظ بكل هذه المقتنيات الثمينة من حول العالم؟ أم أنه كما تقول أحداهن وكما قلته أنا ذات يوم: لأن هذه المقتنيات في بلادها الأصلية لن تحظى بذات الرعاية والحفظ؟
في سبيل إصراري أن تفرّد كل حضارة واختلافها عن أختها هو الذي يخلق الهوية المميزة ..وأنه لا ضير من التركيز على هذه الإختلافات..كنت أظهر بمظهر العربية "الغير متسامحة" في هذا العالم الذي يصر أنه واحد!!
..
..
ربما لهذا السبب أنا مصدعة!!!

الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

شوكولا..(٥)

عيدكم مبارك ..
مترف..
مملوء بكم وبكل من تحبون..



  • البارحة كان عيدنا في بيت جارنا الجزائري الطيب" حبيب"..

رغم أننا في جدة لا نحتفل كثيراً بعيد الأضحى مقارنة بعيد الفطر..إلا أن العيد هنا كان له طعم آخر..
بيت حبيب الأنيق الفرنسي الروح الجزائري الأثاث كان يعج بالعوائل الجزائرية المغتربة..
يتحلق الشبان الوسيمين والرجال الأنيقين حول الطاولة يناقشون في لكنة جزائرية متفرنسة قضايا العرب والهجرة واللغة والإستعمار..
وفي غرفة الجلوس الملحقة تجلس النساء: عروس جزائرية وأمها العجوز- عروس باكستانية وأمها الحامل- بولندية- فرنسية- وأنا السعودية.. تتراوح الأحاديث بين الإنجليزية والفرنسية وشيء قليل من العربية..
شيئان يجمع هؤلاء النساء: كلهن مسلمات..وكلهن متزوجات من جزائريين..


في الطرف الآخر من المنزل يلعب الأطفال من مختلف الأعمار ، يتفاهمون ويتحدثون بالإنجليزية فقط..
الضحكات الصافية تملأ المكان. .ورائحة الشواء اللذيذة تداعب الأنوف..والعجوز يدعو لصاحب البيت المضيف بطول العمر ووفرة الرزق في لهجة جزائرية جميلة..
..
..
وأنا أراقب الرجال وعنفوانهم والنساء وعذوبتهن وأشعر أنني أعيش في إحدى روايات أحلام مستغانمي..


كل عام وعيدكم..رواية..!



  • هل لي أن أتمنى أمنية بمناسبة العيد؟
أمنية واحدة فقط..! واحددددة..
لا أعرف كيف ستتحقق ولكني أنظر إليها كنجمة كلما تكاثف السحاب تعود لتتوهج من جديد..
أتمنى أن أرى "نجاة الشكري" معلمة اللغة العربية في المتوسطة الرابعة في الخبر..
لا أدري أين هي الآن..هل ما زالت تعمل..هل تذكرني..
أتمنى أن أقابلها فقط لأهديها نسخة من كل كتاب كتبته..لأخبرها أن رهانها علي ذات يوم بعيد قد فاز..وأنها قد خبأت في قلبي دون أن تدري قلماً حين كتبت لي ذات يوم  على ورقة ما زلت أحتفظ بها:"الكاتبة الصغيرة أروى"...
أليست أمنية بحلاوة حبة شوكولا؟





الجمعة، 12 نوفمبر 2010

ليست شوكولا..(٤)

الوقت متأخر..الكل نائم وأنا ما زلت مستيقظة..

  • أشعر بالعطش الشديد ..ولا أريد أن أقوم من فراشي الدافئ لأنزل للمطبخ في الدور السفلي كي أشرب ماءاً..لكني فعلا عطشانة...


  • أشعر بالذعر..ثمة عاصفة في الخارج..المطر شديد والريح لها صوت..الأشجار تنحني بقسوة وسيل المطر يضرب نافذتي بعنف..


  • أشعر بالكآبة..قبل قليل أنهيت رواية غازي القصيبي "ألزهايمر" ولا أدري لماذا يكتبها بالهمزة..تذكرت جدي الذي توفي بالزهايمر..تذكرت جدتي التي ما زالت تعاني منه..راعني حين وصف المصابين به بأنهم خضراوات بشرية..تذكرت ذلك الفلم الذي يحكي قصة نهاية مؤلمة لكاتبة أصيبت به...طافت علي ذكرى الناس اللذين ماتوا قريباً.. خطرت لي فكرة أن أقيس قصر المسافة بين الحياة والموت وأن ما بينهما لا يساوي شيئاً...


  • أشعر بالضيق..أليست هذه من أحب الأيام إلى الله؟ كيف إذن نرتكب تلك الذنوب الحمقاء عوضاً أن نقوم بعمل يقربنا إليه؟ تذكرت الحج وروعته..شعرت فجأة أنني محرومة...!!!!



لا زالت العاصفة مرعبة في الخارج..ولا زلت أشعر بالعطش...




(غريب أن يكون اسم هذا البوست شوكولا....!!!!)

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

شوكولا..(٣)

بوسعي أن ختار ما بين شيئين:


أن أتذكر موضوع تجديد الفيزا المعقد..أن أحمل هم المقالين اللذين علي تسليمها بعد شهر ولم أختر مواضيعهما بعد..
أن أحنق على راتبي الذي اقتص منه بدل غلاء المعيشة وأنا في بريطانيا..أن أفكر في إيميل العمل المعلق الذي بعثته لإحداهن وأن أضع سيناريو سيء الظن حول ردة فعلها وتأخر ردها..أن أفكر في دار النشر التي يقول عني صاحبها بأنني اكتسبت شهرتي من ورائهم مما جعلني أحتفظ بمخطوطات قصصي الجديدة في جعبتي بدون خطة نشر واضحة..أن أشعر بالقهر حين كلمت عمي أسلم عليه إذ أعطاه أبي الطيب السماعة مجبرا فحادثني بمنتهى الترفع والغرور..أن أراجع النظر في طلب الترجمة الذي تقدمت به إلي وزارة التعليم العالي ومعها نظرة ونبرة: احمدي ربك!! 
بوسعي أن أذهب أبعد من ذلك: أن أحنق على الجو البارد المزعج..والمطر الذي يتدفق من السماء..أن أفكر من الآن ماذا سأفعل حين أعود؟ وكيف سأترك هذه البلاد الخضراء؟ أي دموع سأذرف؟ كيف سأشحن أشيائي التي تكومت على مدى سنتين؟ ماهي خيارات المدارس المتاحة لأطفالي؟ أي مبالغ خيالية سأدفع في المدارس مقابل "بعض تعليم" بينما هم يدرسون هنا مجانا على أحدث نظام تعليمي..كيف سيكون عملي؟ كيف سأعود إلى حياتي السابقة؟ هل أود العودة إليها أصلا؟ إن لم أشأ كيف يمكنني أن أؤسس لحياة جديدة؟

والخيار الثاني:

أن أبقى في فراشي الغير مرتب..أحتسي قهوتي..وآكل سكونز بمربى برتقال إنجليزية منزلية الصنع..وأعدل مزاجي بصوت فيروز في ألبومها الجديد والذي يتهاطل مطرا ويثمر توتاً..
أن أعد لمقدم زوجي الليلة..وأي أسبوعين ممتعة سنقضيها معاً كعائلة..أن نخطط لرحلة باريس وزيارة الديزني التي يحلم بها الأولاد..
أن أستمتع برفقة إليزابيث..والكتابة لجين ومرافقة روب في السيارة ودعوة دان للعشاء..!
أن أتذكر أي إحساس غامر تلبسني من مكالمة ذلك الصديق البارحة حين شعرت أن أحدهم ما زال يتذكرني ..يناقش معي إنجازاتي..ويساعدني في التخطيط لما هو آت..
أن أكون ممتنة كل يوم لهذه التجربة التي قدمت لي دراسة شيء أحبه..والعيش في بلد مختلفة كل الاختلاف عن بلدي..
أن أنتظر هطول الثلج كسكر ترشه الملائكة من السماء..أن أعد له بشراء مزيد من القفازات والشالات الملونة..وأن أنتظر مقدم الربيع البديع..والصيف الفاتن كتجربة لن تتكرر بعد ذلك..
أن أستمتع بالتخطيط لجلسة التصوير غدا..اختار الملابس الشتوية الأنيقة لي وللأولاد..ونرسم سيناريو للقصة التي نريد أن تظهرها الصور..
أن أشعر دوما أنني جميلة..ومحظوظة..وصديقة للقلم...!

.
.
.
ما رأيكم؟ ما زال صباحي في أوله
أيهما أختار؟

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

شوكولا..(٢)


  • تذكرت اليوم فلماً قديماً بعنوان: sweet November وهو عن فتاة جميلة تصارع السرطان وتعيش آخر أيامها لتتجرع من كأس الحب حتى الثمالة قبل أن ترحل..


تذكرت هذا الفلم لسببين: لأن الممثلة كانت قصيرة الشعر بشكل لفت نظري وأعجبني..والآن فقط أنا أملك شعراً قصيراً كالذي أحببته في يوم ما..مع فارق لون الشعر..
والسبب الثاني أننا نعيش نوفمبر...
هذه الأيام التي لم أعرفها إلا هنا..والتي لا زالت تصيبني بالدهشة والدوار..
مهرجان ألوان اشتعل على رؤوس الأشجار.. تبدو فيه الدنيا وكأنها "تحمرت" حتى "تقمرت" على نار هادئة..!
..كبطلة الفلم..أود أن أتجرع من هذ الجمال للنهاية..



  • قبل يومين قابلنا دكتورة ودكتورين جاؤوا في مهمة علمية من أحدى الجامعات السعودية..قبلها بليلة قدموا في جامعة ليدز أمسية لطيفة جدا وحميمة عن الدكتور غازي القصيبي رحمه الله..شعرت أنها أجوائي التي أحبها وأفتقدها..
الدكتورة الجميلة الطويلة الرشيقة والأنيقة ذات الشعر القصير(أيضاً) والإبتسامة الساحرة كانت حكاية أخرى ..! قالت لي صديقتي : ألم تذكرك بأحلام مستغانمي؟ قلت لها : لا..ذكرتني ببطلة روايات أحلام مستغانمي.. هذه امرأة من.. شِعر!

  • بعد سلسلة الزيارات المتحفية التي قمت بها "امتلئت" بكثير من الأفكار..لا أريد أن أحول بيت ماورد إلى قاعة محاضرات كالبوست السابق لكن لوهلة شعرت أن الإنجليز سرقوا ثروات وكنوز وثقافات العالم في مرحلة ما حين كانوا استعماريين تمتد أياديهم إلى كل بقعة من العالم..حمّلوا ما وسعهم أن يحملوه وأصبحت المتاحف البريطانية مستودعاً موثقاً للتاريخ المصري واليوناني والروماني والإسلامي..والصيني .. منذ القرن السابع عشر، لكن يبقى السؤآل: لو بقيت هذه الآثار مكانها هل ستجد من يعتني بها ويقدرها حق قدرها ويجري عليها كل هذه الأبحاث والدراسات كما هي الآن؟ ألست أحيانا أتمنى أن تتبنى جهة خارجية محنّكة الحفاظ على موروثنا الشعبي والثقافي بكافة صوره؟
  • هاهي ليالي الشتاء الطويلة  قد بدآت ..ومنذ أن غربت الشمس الساعة ٤:٢٠ دقيقة وأنا أبحث عما أغزل به الوقت في هذا الليل الممتد اللانهائي...
تصبحون على ورد..!

السبت، 6 نوفمبر 2010

لندنية..!!

عن رحلتي إلى لندن:


قضيت في لندن يومين فقط مع الدكتور "مارك"  ذا الصوت الهادئ والرؤية الكلاسيكية والدكتورة" أبيجيل" ذات الفستان الأسود القصير دوماً والصوت العالي الممتلئ حماسة..وعدد من رفقاء ورفيقات كورس الجامعة..
ذهبت إلى لندن صباح الخميس مع صديقتي الإنجليزية الجديدة "إليزابيث" ، فتاة جميلة ذات شعر شلالي ذهبي طويل كقصة الفتاة في الغابة مع الدبب الثلاثة..أخذنا نتحدث طوال الرحلة عن أمور كثيرة..إليزابيث تقول أنها لا تؤمن بأي دين لكنها تصف نفسها "روحية" جداً وتقول أن التدين لا يقترن في مجتمعها بالضرورة بحسن الخلق والتسامح مما - في نظرها- لا يعطي المتدين أي أفضلية إنسانية حقيقية..! تحدثنا عن الحجاب كقناعة وكعادة اجتماعية..عن الحب والزواج..عن مقالاتنا المفترض أن نسلمها في آخر السمستر..
وصلنا إلى لندن وكانت محطتنا الأولى ال V&A وهو اختصار ل Victoria & Albert museum ولأنني وصلنا متأخرين عن باقي المجموعة فقد كان علينا أن نتجول وحدنا لنلحق ما فاتنا..


المتحف مقسم إلى أجنحة عدة مثل :جناج المنحوتات- جناح الأزياء - جناح الثقافة الإسلامية والشرق أوسطية وغيرها.. أما الجناح الذي كان من المهم زيارته هو الجناح البريطاني والذي يقع في طابقين.
التقسيم في هذا الجناح كان على أساس "التصميم" حيث كان يبدأ من القرن الخامس عشر ويعرض في كل جزء أهم أساليب التصميم المتبعة في جميع الفنون والأزياء والمنحوتات والللوحات والحياة بشكل عام..هذا التقسيم يؤكد علاقة أساليب التصميم بالحياة اليومية وبالسياسة والاقتصاد وبطرق التفكير، يظهر ذلك جلياً عن مقارنة عصر "الركوكو" بعصر "الباروك" مثلاً..
نسيت نفسي في المتحف ..لقد كان كبيييييراً..ضخماً..له هيبة ورهبة..مزدحم بالطلاب والزوار والسياح والأطفال..
لم يكن هناك وقت لتناول الطعام فتوجهت مباشرة للوجهة التالية حيث سيتقابل الجروب..لكنني ضعت ضياعاً مريراً في شارع اكسفورد المزدحم حتى وصلت أخيراً إلى  Wallace collection وهو عبارة عن منزل كبير تملكه عائلة wallace العريقة والتي كانت لها صلات قوية مع العائلة المالكة الفرنسية مما جعل المنزل أو "القصر" ذا طراز ومقتنيات خاصة فخمة وتمثل الطبقة العليا في ذلك الزمن..الجدران مكسوة بالأقمشة الحريرية المزخرفة والثريات ضخمة تتدلى من الأسقف العالية واللوحات الأصلية لكثير من الفنانين الفرنسيين محاطة بإطارات مذهبة وعريضة..


ذهابنا لرؤية هذه المجموعة كان تطبيقاً لإحدى قراءتنا عن الtaste أو الذوق وكيف كان الذوق الرفيع في القرن السابع عشر يمثل مظهر من مظاهر السلطة بجوار المال وتملّك الأراضي مما أثرى التنافس في إنشاء المتاحف وجمع المقتنيات الخاصة النادرة والثمينة كمظهر اجتماعي وسلطوي. في هذه الأيام كان الفن الفرنسي يعني ماري انطوانيت ونابليون وهذا يمثل قمة الهرم في الذوق الرفيع.


ذهبت مع أبيجيل - التي أصرت على أن أرافقها لأن كنيتي الجديدة صارت :الفتاة الضائعة، وليس من اللطيف أن يضيع الإنسان في لندن- إلى وجهتنا الثالثة...مشينا ومشينا ومشينا..قطعنا Oxford street ثم Bond street ثم Regent street حتى وصلنا إلى    Trafalgar square  خلال مشينا كانت الدكتورة تتحدث كيف أعيد بناء لندن بعد الثورة الفرنسية بطريقة بذخة وفخمة في سبيل إشعار الطبقة العليا والوسطى بالأمان الذي يمنعهم من إثارة أي زوابع سياسية خاصة في ظل الحكم الملكي، صورة لندن ومبانيها ،جسورها،قصورها بعد إعادة البناء كانت تليق بعاصمة إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس تعطيها الكثير من القوة والسلطة ليس في انجلترا وحدها إنما على مستوى العالم..
أليس هذا صحيحاً؟ أليست لندن حتى الآن رمزاً للقوة والثراء..للفن والأصالة؟ أليست من أغلى عواصم العالم؟ أليس لها وهج خاص لندني لا يخفت؟
وصلنا إلى ال National Gallery ..بعد أن صعدنا الدرج الطويل صرنا نطل على ساحة الترافيلجر سكوير والمزينة بالأسود وبعض التماثيل لفرسان إنجليز وعادت إبيجيل لتؤكد على فكرة السلطة والقوة اللندنية عبر رموز كالأسد والفارس المحارب وكيف أصبحت هذه الساحة رمزاً للندن يستخدم في كثير من الإعلانات والأفلام..


داخل الجاليري كنا متعبين جدا..نتجول بصمت..نجلس على الكراسي كما يفعل الكل مبحلقين في اللوحات المعلقة..
انتهى برنامج اليوم ولم ينته اليوم..كنت طوال ذلك أحمل حقيبتي على ظهري ولا أكاد أشعر بقدمي من فرط التعب والمشي..شيء آخر لاحظته..لا أدري لماذا الإنجليز خطوتهم سريعة ؟ لا يظهر عليهم أنهم يركضون رغم ذلك سرعتهم تصيبني بالجنون ولا تتفق مع خطواتي العربية الهادئة ..لذا كنت طوال اليوم "ألحق بهم" حتى لا أضيع..!
ألهذا السبب سبقونا؟ ألهذا السبب ما زلنا نحن العرب نلحق بركب الأمم المتقدمة ذات الخطوات السريعة؟
وصلت للفندق أنا وإليزابيث التي كان عليها أن تغادر في مساء نفس اليوم لليدز..حين صعدت إلى الغرفة أصررت عليها أن ترافقني وأن ترتاح قليلاً قبل أن يحين موعد قطارها..
الفندق يقع في Kensington صغير جدا لكنه أنيق ويبدو امتداداً للزيارات المتحفية التي قمنا بها، تذكرت أنني لم آكل شيء منذ الصباح. طلبنا العشاء أو ربما كان الغداء وتشاركنا الطعام مما جعل ليز تستغرب وتسألني كل دقيقة: هل أنت متأكدة أنك تريدينني أن أشاركك؟


ذهبت ليز واندسست تحت اللحاف الوثير و قدماي تئنان.. حتى ذهبت في سبات عميق..


استيقظت اليوم الثاني مبكرة نزلت وتناولت الفطور والقهوة في الفندق ثم عملت تشيك آوت وطلبت تاكسي للذهاب إلى وجهتي..
موظف الإستقبال اليوناني "اللطيف والجميل" جداً قال لي أنني لم أبق في الفندق بما يكفي وطلب مني وعداً بأن أعود،،أعلم أنه كان يسوّق لفندقه رغم ذلك أعطيته وعدي مبتسمة راضية..
بالتاكسي وحتى لا أضيع ذهبت إلى الBritish Museum وككل المتاحف التي زرناها كان مهيبا وكبيراً..


به جناح ضخم عن الفن المصري وآخر عن اليوناني والروماني أما الذي كان يهمنا زيارته فهو جناح عصر التنوير: The  Enlightenment  والذي يبدو كمكتبة ضخمة بها كثير من الكتب والمخطوطات بالإضافة إلى نوافذ العرض التي تحوي مقتنيات مختلفة،  قابلنا مديرة مشروع هذا الجناح وتحدثت لمدة ساعة ونصف..أهم ما جاء في حديثها:


احتفل المتحف البريطاني عام ٢٠٠٣ بمرور ٢٥٠ سنة على تأسيسه  وقد شكل السير هانز سلون -والذي كان طبيباً - المجموعة الرئيسية حيث كانت هوايته جمع الآثار. حين توفي عام ١٧٥٣ كانت مجموعته تضم ٧٩٥٧٥ قطعة جمعها من مناطق مختلفة من العالم هذا عدا مكتبته الضخمة ومجموعاته النباتية وقد أوصى أن تمنح مجموعته للملك جورج الثاني كي تظل سجلاً للأمة يحفظ تاريخ كثير من الشعوب، نقلت المجموعة بعد ذلك للبرلمان التي أرادت أن توفر المال لتأسيس المتحف ، وتم ذلك -كما تمول كثير من المتاحف في بريطانيا هذه الأيام - عن طريق "اليانصيب" . تم شراء بيت يعود إلى أواخر القرن السابع عشر ليصبح مقر المتحف ثم فتح المتحف أبوابه للناس عام ١٧٥٩ وكان الدخول مجاناً (بالمناسبة: كل المتاحف التي زرتها كان الدخول إليها مجاناً) وبسبب رحلات بريطانيا الإستكشافية الكثيرة حول العالم في هذا الوقت جُمعت الكثير من المقتنيات وأعطيت كهبات للمتحف. منها على سبيل المثال: حجر رشيد من مصر والرخام البديع من أحد معابد أثينا.


بالنسبة لجناح التنوير كان مكتبة مهداة من الملك جورج الثالث وغير الإسم إلى "التنوير" حيث يعرض من خلال المقتنيات طريقة التفكير والتصنيف في القرن الثامن عشر..
أعيد ترتيب الجناح قبل عدة سنوات إذ قسّم إلى سبعة أقسام تتناول قيماً فكرية مختلفة في عصر التنوير.
العمل كان ضخماً في هذا الجناح وقد كلف حوالي أربعة مليون باوند وعمل فيه فريق متكامل من المصممين والباحثين وأمناء المتحف.


أحببت ما تحدثت به الدكتورة وتمنيت أن أكون عضوة في مشروع ثقافي بهذا الحجم والضخامة وأحببت أن أطلع أكثر على قيم عصر التنوير وتطوراته لذا اشتريت كتابا عن هذا الموضوع.


انتهينا من المتحف البريطاني وذهبنا كمجموعة لتناول الغداء ثم ذهبنا إلى Museum of LONDON هذا المتحف كان مختلفاً لأنه كان ذا طراز عصري جداً..المتحف أعيد تدشينه في مطلع هذا العام بالتعاون مع شركات كبيرة ومصممين مشهورين، لذا استخدمت فيه أحدث الوسائل التكنولوجية في العرض. يعرض المتحف مقتنيات مختلفة عن التاريخ اللندني قبل أن تكون لندن ، عن الحريق الكبير، عن أعادة بناء لندن، عن حدائقها ومناسباتها الإجتماعية، عن الطبقة الغنية وممارسات حياتهم والطبقة الفقيرة وكيف يعيشون .. وكيف صارت لندن في العصر الحديث..المتحف يعج بالإضاءات والأزرار التي تضغط ..بأشياء تتدلى من السقف وأشياء تدوس عليها في الأرض..وبعروض ديجتال في كل جناح..


شعرت أن هذا يمكن أن يكون نموذجاً للمتاحف الذي يمكن أن يلاقي استحساناً وقبولا في مجتمعنا بما أنه ليس لديه تاريخ عريق في الثقافة المتحفية وتقديرها . مارك الكلاسيكي جدا لم يكن معجباً بهذا المتحف الذي يعج بالوسائل التكنولوجية والتي يمكن أن تصبح قديمة بعد عدة سنوات فقط..هذا المتحف أيضاً كان يعج بطلاب المدارس الصغار الذي يستقون من المعروضات معلومات لها علاقة بمنهجهم الدراسي ..كان الكل يمشي باسترخاء ومرح بدون همس ووقار كما في المتاحف الكلاسيكية الأخرى.
ذهبنا بعدها إلى Guildhall Art Gallery إذ توجهنا مباشرة إلى البيسمنت حيث أطلال حجرية لمسرح روماني قديم.. كان هذا مكان المسرح الأصلي وتظهر فيه البقايا الحجرية وأمامها شاشة كبيرة بحجم الجدار استكمل عليها بالإضاءة الليزرية ما تبقى من المسرح الروماني مع مؤثرات صوتية لجموع بشرية ..
دار في المكان جدل حول فائدة مثل هذا التوجه بين الدمج بين القديم جدا والحديث جدا وكالعادة كان مارك معترضاً على الفكرة لشعوره بأنها لم توصل المعنى المطلوب..
قارب اليوم على الإنتهاء وقاربت قدماي على البكاء لو كان لهما دموع..إلا أن مارك قال: سأذهب في زيارة أخيرة لمتحف أحبه جداً..من لم يأت معي فكأنه لم يزر أي متحف..
صمتنا جميعاً ..أعاد مارك مقولته وأضاف لديها :لستم مضطرين إن لم تكونوا تريدون...!
طبعا قررنا جميعاً الذهاب معه..
كان منزلا صغيرا في وسط لندن..الدخول إليه بمجموعات مع مراعاة بروتوكولات عدة كتسليم الحقائب وإقفال الجوالات..
لم أركز في إسم صاحب المنزل إذ كنت مشغولة بألم قدمي..كل ما أعرفه أنه كان مؤسس The Bank of England المشهور بتصميمه المعماري الفريد..


طبعاً استطعت سبب فهم إعجاب مارك به إذ كان بيتاً كلاسيكياً انجليزياً قديماً ولأن صاحبه مهندس معماري فذ فقد استخدم إبداعه في تصميم كثير من المساحات والنوافذ والزجاج الملون والمرايا التي تعتمد على الضوء والظل مما أعطى المكان أهمية مرموقة خاصة لدارسي الفن المعماري. الشيء الآخر الملفت أن المنزل كان يعج "عجيجاً" ويزدحم "ازدحاما" ويمتلئ "امتلاءا" باللوحات والمقتنيات والتماثيل حتى أنك لا تستطيع أن تهرب بعينك إلى أي مكان فارغ ليس به شيء...أظلمت الدنيا ونحن بالداخل..في هذا المتحف لا إضاءة فقط شموع موزعة في كل مكان..!!


وصلت حدي،،ولم يعد في ذهني إلا ألم قدمي..خرجنا ثم سرت وحدي تحت المطر وأخذت أندر جراوند للأكسفورد مرة أخرى وعند أول محل أحذية اخترت حذاء مريحاً ودفعت فيه الكثييييير دون أن آبه إلا براحة قدمي...
كنت أود أن أبقى أكثر في أكسفورد أستمتع بالكريب المحشو بالموز والمرشوش بالمكسرات والسكر وبواجهة المحلات المضيئة استعداداً للكريسمس .. وباحتساء قهوة داكنة في مقهى لندني أنيق...


كنت أود أن أسلم على البيج بن ولندن آي المضيئة ليلاً..وأن أذهب إلى مسرحية أدلل بها حواسي..
كنت أود أن أتجول في هارودز وسيلفريج وأتسوق ولو عبر المشاهدة "window shopping"وأن أتعشى في مطعم مرروش العربي..
.
.
لكن للأسف.. كان علي أن ألحق بالقطار.. عودة إلى ليدز الخضراء..:)







الأحد، 31 أكتوبر 2010

شوكولا..(١)


  • صديقتي الجميلة...

حين يأخذ الله منا شيء ما بيد..إرادته الكريمة تعطينا شيئا أثمن باليد الأخرى..
فهل ترين ما أقصد؟ هل ترين كيف منّ الله بك علي..؟


قولي لي بالله:
من كان سيمسح دمعاً تساقط بغزارة  اليوم إلا كوب قهوة معك وحديث و"مساج" تشاركناه معاً..
من كان سيقاسمني سيجارة مشاغبة ويمشي معي في أرصفة طويلة ويحمسني على شراء "البوت" الذي أعجبني لأنني كما تقولين "أستحق"؟
من كان سيذكرني كلما نسيت أن الحياة جميلة تستحق أن نقدرها ونحياها ولا نتعب أنفسنا بما ليس في يدنا؟
من كان سيختبئ معي في حضن ليل ليدز الساجي المفتون بالحكايات السرية والمليئ بالخطط المهمة والتافهة أيضاً..؟
من كان سيهديني أغنية "يا دموعه" وأهديها بدوري الكثير من الورود الفيروزية الصباحية؟
..
..
تطول القائمة يا صديقتي..
تطول..
فإذا ذهبنا لشراء قارورة لأضع في داخلها حزني المرفه سأشتري قارورة أخرى أضع فيها كماً من التفاصيل والذكريات لا يعلم بها سوانا..لكني لن أرميها في البحر...بل سأحتفظ بها كتعويذة أحتاجها دوما حين يهجم علي حزن مباغت كما اليوم..



  • علي سيرة القارورة: أعجبتني الفكرة ..سأكتب رسالتي الدامعة وأدسها في قارورة نشتريها من محل الفنون بالسنتر..لكن السؤال: هل أرمي القارورة في بحر جدة الأحمر وهو الأدرى بجرحي والأكثر تكبراً عليه؟..أم ألقيها في بحر الشمال هنا في بريطانيا إذا ذهبت إلى "نيو كاسل" أو "ليفربول" أو حتى "وتبي"..وأنا على ثقة أنه لا يوجد أحد هنا ستقع بين يديه قارورتي ويكون بإمكانه فك رموز لغتي العربية المدللة المليئة بالدموع والفواصل وعلامات الإستفهام المتعجبة!!!




  • اليوم هو أطول يوم في السنة..٢٥ ساعة بدلا من أربع وعشرين..وقبل قليل فقط تحول الدوام الصيفي إلى شتوي فزادت ساعة في اليوم؟

أين أحسبها تلك الساعة؟ أيمكن أن أحشوها بدمع اليوم وحزنه؟ ولأنه لا يوجد يوم طوله ٢٥ ساعة..فلابد أن تمحى ساعة منه ولتكن تلك الساعة...!!!!



  • بدأت بحبة شوكولاتة اليوم..على أمل أن تذوب في قلبي فأسشتعر حلاها وبهجتها...

لك أيضاً يا صديقتي حبة شوكولا مني خبأتها تحت وسادتك الليلة..مع كثير من حب وامتنان ووافر صداقة  !!!



  • تقولين يا صديقتي أن الأشجار المثمرة هي التي ترمى .. ذكرني ذلك بما قاله الدكتور مارك في الأسبوع الماضي..كان يطلب منا أن لا نلتفت للثمر ثم نصفه بل أن نركز على الشجرة..عروقها وأصولها وجذورها..كان يعني بذلك أن لا نتناول النتائج بل علينا أن نعود لتحليل مسبباتها .. هي منهجية تفكير تحليلية "أصيلة"  تركز على الجوهركان مارك يطلب منا أن نطبقها  كي "نفهم" أفضل ونقحم أنفسنا في القضايا بشكل أعمق. 

شكرا يا صديقتي لأنك لم تأبهي بالثمار ..حتى بعد أن أصبحت شجرتي خريفية بلا ورق ولا تفاح ..لا زلت تربتين على الجذع في حنان بالغ وثقة أن ثمة زهر وثمر ستجود بهما الشجرة في الربيع...
.
.
كل ما في الأمر أن الربيع تأخر بعض الشيء... 

مسلسل كويتي

 هل قلت لك يا ماورد أنني أحتاجك جداَ؟ نعم سآتيك كثيرا فطيبي خاطري كلما أتيت وقبليني على جبيني ولا مانع أن تحضنيني فلن أمانع.. البارحة ذهبت إ...