- ما زالت الحياة متوقفة..
أجل، أجل. أعرف أن رمضان يمر كلمح البصر وأن ثورة ليبيا قاب قوسين أو أدنى من النصر و أنني قصصت شعري وأنني وجدت ملابساً لأطفالي في دواليبهم مضحكة من صغر مقاساتها وأن الحياة برمتها تسابق نفسها كعداء أحمق في الأولمبياد يركض في المضمار دون أن يبلغ خط النهاية... إلا أن الحياة لا تزال متوقفة..
إنها كالمنظر من الطائرة حين لا يوجد سحب وتكون اليابسة تحتك أبعد من أن ترى شيئاً ..وقتها يصر ابني أن الطائرة متوقفة وأن الدراجة أسرع منها...!
.
.
ما زالت الحياة متوقفة..!!!
- أفرغت حقائبي ، وحين وصلت إلى ملابسي الشتوية أحسست بقرصة في قلبي وبشوق لأن يلامس وجهي الهواء البارد..أعدت الملابس إلى الحقيبة فلا دولاب لدي يتحمل صوفها الأنيق...!
أوليفيا وطقم الشاي الإنجليزي..أين أضعهم أين أضعهم؟ على الرف الصغير بجوار سريري؟
لا يبدو الرف مضحكاً بهذه اللعب الصغيرة التي لا تتناسب وغرفتي العتيقة..على الرف أمام طاولة مكتبي؟ اففففف..تبدو أوليفيا على الرف كطفلة بائسة خطفتُها وحبستُها عنوة..
تجولت في المنزل...لكن ، أعتذر لكِ يا حلوة..رغم حجمك الصغير فليس من مكان مناسب لك..
وضعت أوليفيا في دولاب الحقائب والأحزمة ..
طوال ما أنت في الدولاب ادعي يا أوليفيا أن يرزقنا الله معاً منزلاً بشباك يليق بك.. على عالم أخضر ومطر يقبّل جبهتنا بصوته العذب.
- كل شيء من حولي صناعي، كل شيء مغرق في ماديته، كل شيء قشرة..السيارات الفارهة.. منزل أمي بتحفه الكثيرة، الحقائب الأنيقة في المسجد وقت صلاة التراويح ، المرأة التي كانت تجلس بجواري اليوم في الصالون وتتحدث بالهاتف عن شيء ما قائلة: اثنان بولغري وثلاثة جيفينشي وثلاثة ديور، العباءات التي احترف صناعتها نصف نساء جدة ويبعن الواحدة منها بثلاثة آلاف..
كل شيء يرتدي قناعاً، صح ،أحضرت معي قناعاً جميلاً من سيرك دوسوليه..ملوناً ويخفي الوجه، يظهر فقط الشفاه وطرفاً من العيون..ماذا لو لبسته؟
- كلما صليت التروايح وغرقت في الآيات مع صوت الإمام المترقرق تقفز إلى ذهني صورة إليزابيث..ألم تصف نفسها ذات يوم بأنها "روحية" بعيداً عن كل هذه الماديات من حولي؟ كم أشعر بها لائقة بكل هذه الروحانية والأنفاس القرآنية الكريمة..
يااااااااااارب...
- بعد حياة التوحد لمدة عامين لا أشعر أن لدي القدرة على التعامل مع الناس وتحملهم بأمزجتهم المختلفة، كم هذا صعب..! كيف بوسعي أن أغلق حولي أبوابي وأحافظ على حالة التوحد والتجلي والسكون النفسي دون أن يرمي أحدهم حجراً يعكر صفو بحيرتي؟
- صديقتي الحمامة مختفية..كل عدة أيام ترسل لي مساجاً متقطعاً، وأنا أعوّد نفسي على تغير خارطة علاقاتي حتى لو أنني عدت..
ليس من العدل أن أغيب أنا وحين أعود أطالب بنفس المكان القديم ونفس المساحة في ذات القلب..!
الأيام ماضية ولا تنتظر أحداً رغم أن الحياة .....متوقفة!