الجزء الثاني من مغامرات "فروزن بريتن":
استيقظت في السادسة فجراً على تلفون من أخي..قال لي أن ثمة رحلة إضافية على الخطوط السعودية تسع ٤٠٠ راكب قد أقلعت توا من جدة في طريقها إلى لندن وأن هناك فرصة كي آتي عليها إن ذهبت إلى المطار مبكراً...
أيقظت الأولاد في السابعة ،فطرنا وعملنا تشيك آوت وتوجهنا إلى هيثرو المنكوب..
وصلت إلى كاونتر الخطوط السعودية وهالني ما رأيت ،كان أشبه بحراج ..كان الكاونتر الوحيد الخالي من الطوابير والمليئ بالتجمعات الفوضوية والصوت العالي..لا يوجد موظف تسأله أو أحد ترجع إليه..
من البداية شعرت أن لا أمل،،خاصة أن حجزي لم يكن على الخطوط السعودية إنما طمعت أن أعامل كمواطنة سعودية عالقة مع أطفالها في مطار لندن، لكن تلك الفكرة بدت لي كأمنية تافهة وسخيفة..لذا قررت أن أتوجه حالاً إلى ترمنل 5 حيث الخطوط البريطانية..
يسود النظام هذا الترمنل، لا تسمع صوت أحد رغم الجموع البشرية الغفيرة،،الكل يقف في طوابير طويييلة لكنها تمشي..وموظفون يتوزعون في كل مكان فقط للإجابة على أسئلة الركاب..بوجه إنجليزي بارد ومؤدب جدا حد الإستفزاز قابلت الموظفة سؤالي عن مصير رحلتي الملغية بالأسف على ذلك وأن علي أن أحجز في يوم آخر إذ لا مجال أبدا للسفر اليوم وفي حال قررت أن أغير الخطوط ستعوضني الخطوط البريطانية عن كل ما دفعت..
إلى هنا وقررت التوقف..كنت أحلم ببيتي الدافئ في ليدز..بسريري ..وبالاسترخاء هناك حتى تحل الأمور..
ركبنا أنا والأولاد البيكاديللي ونحن نجر حقائبنا متوجهين لمحطة الكنغز كروس حيث نستقل القطار إلى ليدز..
بعد ساعة وصلنا..ثم يا للمفاجأة..:
كل الرحلات إلى ليدز ألغيت..لعطل في القطار حصل بسبب برودة الجو!!!
كانت هذه اللحظة من لحظات عدم التماسك..كانت نظراتي معلقة بالشاشة الكبيرة أمامي التي عليها أسماء ومواعيد الرحلات ..دموعي بدأت تنهمر وأنا لا أعلم ماذا سأفعل وإلى أين سأتوجه بأطفالي وحقائبي..
فجأة ومن وسط الزحام سمعت صوتاً يسألني بالعربية: : أنت سعودية؟
أجبته من وسط دموعي: أجل..
قال لي: مالذي يبكيك ويزعجك؟
كان طالباً سعودياً أنيقاً يجر حقيبة صغيرة ويرتدي معطفاً طويلاً، أخبرته بالمشكلة وبأنني مشفقة على أطفالي من هذا البرد ولا أعلم كيف سأصل إلى بيتي..
قال لي تعالي معي، توجهنا إلى مكتب الاستعلامات وسألنا عن كيفية الذهاب إلى ليدز فأخبرونا أنه يمكن ذلك عن طريق شيفيلد..
تركت الأولاد في مكان آمن وجاء معي هذا الغريب لشراء التذاكر من مبنى آخر بعيد..عدنا وأحضرنا الأولاد ..جر معنا أثقل شنطة وتوجه بنا إلى البلات فورم المطلوب ..أخذ الأولاد إلى إحدى الكافيهات وطلب منهم أن يجلسوا لأن الجو في الداخل أدفئ، اشترى لهم ساندوتشات وعصيرات واشترى لي وله قهوة وأخذ ينتظر معنا مبتسما..قلت له: هذا كثير..بإمكانك أن تذهب الآن..
قال لي: لن أذهب حتى أتأكد من أنك صعدت للقطار.
بقينا حتى فتحت الرحلة وقبل أن أصعد تذكرت شيئا قلت له: بالمناسبة ما إسمك؟ فقال لي: عماد الحربي.. أخذت رقم هاتفه وأخبرته عن إسمي لأنه حتى لم يسأل..
ودعته وأنا مندهشة وأقول في نفسي: كيف ظهر هذا الرجل أمامي فجأة..؟ اسمته سديل في الحال "ملاك " الحربي..!!!
إما أنني قد فعلت خيراً لأحد ذات يوم فأراد الله أن يكافئني أو هي ربما دعوات أمي القلقة..ما أعلمه أن الله سيكافئه بشيء كبير،،بل كبير جداً يتناسب مع امتناني وإعجابي بشاب سعودي وقف بجواري ذات يوم كئيب في إحدى محطات لندن..حمدت الله أنني كبيرة ما يكفي، فلو كنت صغيرة لما فوّت على نفسي فرصة الوقوع في هوى رجل من هذا النوع..!!
ركبنا القطار ،كان مزدحما على الآخر .. حين وصلنا إلى شيفيلد تجمدنا من البرد لعشرة دقائق ثم ركبنا قطارا آخر على ليدز..
.
.
في هذه الأثناء حصلت قصة مؤلمة لصديقتي أماني التي تحمل حجزاً مؤكداً على رحلة اليوم على الخطوط السعودية، بكل بساطة ألغي اسمها هي وأطفالها الأربعة لكي يوضع بدلاً عنهم أسماء موصى عليها..حاولت الإعتراض هي وعدد كبير من السعوديين أصحاب الحجوزات المؤكدة اللذين فقدوا مقاعدهم ببساطة.. لكن الموظف السواداني قال لها وهو يصرخ: تحدثي مع المدير السعودي ..منه تأتي الأسماء اللذين يريدهم أن يصعدوا إلى الطائرة .صرخت بريطانية كان حجزها مؤكد على متن الرحلة بالإنجليزية :هذا ليس عدلاً..نعرف أن هذه الواسطة ..لكن هذا ليس عدلاً. طبعاً نطقت كلمة "الواسطة" بالعربية لأنه ليس لها مرادف إنجليزي
لم تستطع أماني الصعود للطائرة وعادت لليدز هي وأبنائها..عادت حزينة جداً لهذا التعامل اللاإنساني وتوعدت أنها سترفع شكوى للآياتا ضد ممارسات الخطوط السعودية..خاصة أن لديها تجربة مماثلة أيام أزمة الرماد البركاني..
لم يكن إحساساً جميلاً وأنا أفتح أبواب بيتي مرة أخرى بعد مغادرته قبل ثلاثة أيام أدخل الحقائب وأعيد فتح الدفايات..لكنني على الأقل الآن على سريري الدافئ..أسمع صوت الأولاد يضحكون ويلعبون "وي"...لا أكاد أصدق ماذا حدث في الثلاثة الأيام الماضية..وكأنني كنت على موعد مع جرعة مكثفة من المرمطة والتعب ..وكأن لندن كانت مصرة أن تريني الوجه الآخر لها ..
كل من حادثني يقول لي: إنها تجربة!! وحتى هذه اللحظة أنا لا أدرك أي عمق في هذه التجربة بالنسبة لي..أما الأولاد فقد فاجئوني حقاً وكأنني لا أعرفهم..كانوا طوال الوقت متماسكين هادئين يجيدون التصرف ومساعدتي إن لزم الأمر.. يملئون الوقت ضحكاً ولعباً أينما كنا..كنت أعرف أن سارية الصغير أصيب بالتعب والإحباط حين يمشي وعيونه معلقة بي جارا حقيبته خلفه بصمت..لم يكن يطلب من أحد أن يحمل عنه حقيبته .ولم يشكو ولا مرة من أي شيء..
أسيل لها نظرة مختلفة للأمور..بعد حكاية السائق الباكستاني الذي أوصلنا بالباص للفندق ليلة إغلاق المطار قالت لي: ماما..كأننا أبطال في فلم..ثم أضافت : فلم هندي..ثم أضافت: فلم هندي مسلم..! وبسبب كل الأفكار والمحاولات للسفر التي كنا نترقبها ثم تبوء بالفشل قالت لي: الآن أنا جربت إحساس "اليويو" !!
بريطانيا التي لا تزال تصر أنها عظيمة عليها أن "تلقط وجهها" أمام العالم..سمعة هيثرو العالمي غدت في الحضيض ..أجل! كانت الأجواء مثلوجة لكن ماذا عن مطارات أخرى في كندا والدول الإسكندنافية والتي لم تغلق يوماً؟ يتناقش الإعلام يومياً في هذه القضية إذ أن هيثرو غير مجهز بأحدث الأدوات التي تساعده على تجاوز الأزمات في هذه الظروف..بعض المحللين يقولون لأن هذا الثلج غير معتاد بهذا الشكل( لم ينزل على لندن بالذات ثلج بهذا الشكل منذ أكثر من ١٠٠ عام) لذا فإن المطار غير مستعد..ومحللون آخرون يلومون الحكومة التي قلصت الصرف في شتى المجالات مما جعلها غير قادرة على مواجهة أزمة كهذه ..ومنهم من يقول أن على الحكومات صرف أموالها في مسألة" تغير المناخ" والذي أخذ يسبب كثيراً من المشاكل كل عام عوضاً عن صرف الأموال في مواجهة كوارث نتيجة هذه التغيير..
ما علينا..! على بريطانيا العجوز أن تحاول إصلاح ما أفسده"الثلج" ...!!!
نعود مرة أخرى لصديقتي أماني التي تشعر بالغضب الشديد من الخطوط السعودية..تلك التي هي أصلا سمعتها "مضروبة" لكنها تجيد في كل مرة اختراع قصص جديدة وممارسات لا يصدقها عقل ..انتهى يوم البارحة باستنجاد موظفين الكاونتر السعودي بشرطة المطار اللذين دخلوا مع كلابهم لطرد من تبقى من المسافرين السعوديين اللذين كانوا يقفون في الطوابير لأكثر من سبع ساعات وهم لديهم حجوزات مؤكدة..هذا التعامل الفريد من نوعه كان فقط أمام كاونتر الخطوط السعودية..بقيت أماني تبكي طوال الطريق من لندن لليدز : قالت لي أبكي كرامتي المهدرة..أبكي الطريقة التي انطردت بها أنا وكثير من الرجال السعوديين المحترمين من المطار..فقط لأننا السعوديين اللذين ليس لدينا واسطة
(أماني بالمناسبة أستاذ مشارك في جامعة الملك عبدالعزيز)
أنظر في جدول الرحلات، لماذا هناك أكثر من ٥ رحلات يومياً إلى دبي وهي من أكثر الوجهات التي لم تتعرض للألغاء والتأجيل..بل إنهم زادوا عدد رحلاتهم في مطرات أخرى كمانشستر وبرمنجهام..أما السعودية - وهي تعلم عدد طلابها ورعاياها في المملكة المتحدة- تتصرف وكأن الموضوع لا يعنيها طالبة منا في صفاقة أن نؤمن بالقضاء والقدر..! في وسط كل ذلك يرسل لي صديقي كاتب الوطن ثامر شاكر أن مشكلة كهذه تجعلك تحبين وطنك أكثر وترفضين مغادرته وتشعرين بقيمة البقاء فيه..قلت له " دع عنك الوطنية بالله وتحدث بإنسانية ..ولا ترفع ضغطي أكثر"
متى سآتي إلى جدة؟ قريباً إن شاء الله..صرت أخاف من مجرد فكرة السفر وأترقب الأجواء بكل حذر
مراسلتكم من فروزن بريتن : أروى
الحمدلله على سلامتكم ... البارحة كنت أحدث أمي عنكم وعن معاناتكم وأخذت تبتهل لكم بالدعاء و ولكل منكوبي هيثرو!
ردحذفلا أريد التعليق على جزء المظلومة أماني لان نفسي ضاقت ذرعاً بوطن صارت الواسطة محركه الأول ... وا آسفاه ... الله لا يعودها إن شاء الله...
مرحبا أروى..قبلي عني رأس الوالدة وقولي لها كم أحتاج إلى هذا الدعاء..
ردحذفبخصوص الخطوط السعودية اقترحت علي صديقتي أبرار البار بتأليف كتاب بعنوان:
مآسي الركاب السفرية على متن الخطوط السعودية..
أو
أخبار الركاب السادة فيما خرج عن العادة
أو
تسلية الطفشان بأجمل قصص فشل خطوط الطيران..
أضحكتني العناوين وآلمتني!
أهلا أروى...
ردحذفوصل سلامك إلى الوالدة.. و أخبرتها أيضًا بالجزء الآخر من الحكاية التي استقبلتها الوالدة بالدموع!
حمدًا لله على سلامتكم مرة أخرى..
أضحكتني العناوين الإبداعية التي يجدر بها أن تكون عنوانًا لكتاب و عاجلاً! أو حتى لمقالة!
دكتورتنا الغالية أرجو منك أن تبعثي لي برقم هاتفك على وجه السرعة فلدي دعوة جميلة بانتظارك!
سلامي لأطفالك الجميلين و سلام خاص لأسيل , طالبتي النجيبة :)
سيصل سلامك لآسيل إن شاء الله
ردحذفرقم جوالي البريطاني:
٠٧٧٦٦٤٩١٤٣٩
أنا أؤكد كل ما ورد أعلاه حيث أنني كنت أحد المتضررين أنا وأسرتي. حتى في إغلاق محطة القطار. هي الأزمات التي تمحص الأداء وتبرز خطوط الطيران الناجحة من الأخرى الفاشلة. أضحكني كثيراً الخبر المنشور في صحيفة الاقتصادية أن كل خطوط الطيران كانت تسير رحلة واحدة يومياً وكأننا نايمين على وداننا وما نعرف إن الخطوط الإماراتية وخلال الأزمة كانت تسير على الأقل 4 رحلات يوميا. من المؤسف أن التصريح كان من مسؤول في خطوط طيران وهذا يعكس العقليات الإدارية في تلك الخطوط !!!
ردحذف