الجمعة، 6 أبريل 2012

المقطع الرابع من الرواية ذاتها..

....لذلك كان علي أن أختار إما أن أكتُب (بضم التاء) أو أن أُكتب (بضم الألف) ، وحيث أن كلتاهما "ضم" فقد اخترت أن تضمني التاء، ربما لأنه الضم الأكثر حميمية ، فقبل تائي كاف مفترسة تعطيني ظهرها وتحميني من أي هجوم مفاجئ،والباء من الجهة الأخرى تنبسط كقارب وتبحر بي عبر بحور عدة، ضم الألف سافر، الألف أطول قامة مني بكثير، تبقيني في أول الطريق، لها همزة متلصصة وتُنصّب الكاف كفكٍ مفترس بعدها يبتلع كل شيء قبل أن يصل إلى أية ضفة..
ألهذه الأسباب اخترت أن أكون من النساء الكاتبات ، ولست من النساء المكتوبات؟
لماذا إذن كلما قرأت ما يكتبه لها وعنها أصابتني الغيرة من امرأة فعلها الوحيد أنها سمحت لغيرها أن يجعلها مفعوله الخاص؟ أذنبي الوحيد أنني قررت أن أكون فاعلاً؟
هل كانت ليلى تكتب الشعر؟ ام أنها فقط سمحت لقيس أن يضمها على أطراف الألف ثم تركته وحده يعاني من ضمة تاء أبحرت به عبر باء القصائد بينما هي تخلدت رغم أنها لم تصل إلى آخر الطريق؟
.
.
وردت على بريدي رسالة، أمنية غافية استيقظت في قلبي وتمنت أن يكون هو المرسل..
لكن لا..
هي رسالة بالإنجليزي..والمرسل لا أعرفه..والرسالة ليست دعائية فهي موجهة لي شخصياً..
استيقظت كل الأمنيات الغافية دفعة واحدة...
لعلها رسالة من إحدى دور النشر الإنجليزية التي راسلتها بخصوص الترجمة الإنجليزية من كتابي..!
لعلها رسالتي في القارورة وصلت إلى شاطئ ما، لشخص ما، لفتاة، لشاب، لرجل، لامرأة عجوز، لكائناً من كان   ثم قرر أن يرد علي..
يا للفضول..!
يا للمغامرة..!!!

"عزيزتي...
بقدر ما أسعدتني رسالتك، بقدر ما أحزنني رحيلك عن حينا ومدينتنا دون أن نتعرف بك..
كلما جاء الربيع ونظرتُ إلى زهوري، وكلما بذرتُ المزيد منها وسقيتها ، تذكرتُ رسالتك وابتسمتْ ..
باركك الله..!
ليندا"




أنا أيضاً ابتسمتْ، وابتسمت عيناي وابتسم قلبي وابتسمت ذكرياتي..
اسمها ليندا إذن..
تلك المرأة الإنجليزية العجوز التي كان يبعد بيتها عن بيتي سبعة بيوت انجليزية صغيرة متلاصقة..
كانت إشارة موقف الباص أمام حديقتها التي لم تكن الحديقة الأجمل على مستوى الحي ولكنها الحديقة الممتلئة بورد أكثر عدداً وألواناً وتنوعاً..
خلال فصول السنة ولمدة عامين أقمت علاقة حميمة مع تلك الحديقة..في الشتاء أرجو أشجارها العارية أن لا تتجمد وأن تتحمل الثلج المرشوش على عشبها كالسكر الناعم، في الخريف أبتسم حين أرى  ورق الشجر المقرمش المحمر المتساقط في باحتها، وفي الربيع أتعنّى أن أقف تحت شجرة كرزها وأنا انتظر الباص كعروس تزفها السماء ببتلات ورود رقيقة زهرية اللون كلما هبت الريح ، وفي الصيف تتفجر الحديقة بكل أنواع الورد الأحمر  كبير الحجم متباهياً على سوره الطوبي القصير..كنا أنا وصديقتي نسمي هذا النوع من الورد" الورد الفاسق" ، من لونه الأحمر الصارخ تستشف نواياه الفاسقة على الإغواء والتغنج وممارسة العشق ..  




أنا وساعات انتظار الباص وليندا كنا مثلثاً لحكاية يومية، أنا أشعر بالوحدة والحديقة تصبر تحت قصف الشتاء وليندا عبر النافذة تحتسي شايها الإنجليزي، أنا أعيش لحظات صفاء عميقة والحديقة تتلون بعلبة ألوان الخريف وليندا تقلب تربة الحديقة بكل حنان، أنا في حالة حب عاصفة والحديقة تحمر خدودها خجلاً من حبيب يتربص بها وليندا تجلس على كرسيها الهزاز تحت الشجرة وتقرأ كتاباً ، أنا مشتاقة بصخب والحديقة ترتدي فستان سهرة عاري الظهر وليندا ترتدي قبعتها وتستعد للخروج..
قبل أن أعود إلى جدة أردت أن أضع خاتمة لهذه القصة الثلاثية الأبعاد وأن أربط الخيوط كلها ببعضها، لذا كتبت رسالة لتلك المرأة العجوز التي غدت جزءاً من يومي هي وحديقتها:
عزيزتي..
ربما لا تعرفينني، ولكنني أعرفك وأعرف حديقتك الجميلة التي أقف عندها انتظاراً للباص..
أنت تولين هذه الحديقة عناية واهتماماً كبيرين.. ونحن - راكبوا الباص- من نتمتع بهذا الجمال الرائق كل صباح..
شكراً لأنك تزرعين الورود وتجزّين العشب وتجعلين الألوان أزهى..
شكراً لأنك لمدة عامين تهتمين بصباحي جيداً

جارتك / البيت رقم 946
qarorah@hotmail.com
بالمناسبة- سأغادر البيت بعد يومين عائدة إلى وطني فأنا لست من بريطانيا..

لماذا لم ترسل لي ليندا إلا بعد مرور عدة شهور على استلامها رسالتي؟
أذكر تماماً كيف كتبتها وطبعتها ولففتها بشكل اسطواني وربطتها بشريطة صفراء ووضعتها على كرسي الحديقة راجية أن تجدها صاحبة البيت قبل أن تمطر وتختلط حروفي مع بعضها..
حتى صاحبة الحديقة اختارت الألف المضمومة.. وانكتبت في رسالتي..
بالمناسبة ليندا اختارت فعلاً؟ أم أن الحروف هي التي تختار من تضمه؟
ماذا عني يا ليندا؟ هل سيكتبني كاتب في يوم ما؟
هل تنقسم النساء إلى هذين الصنفين فقط؟ ماذا عن النساء اللواتي لم يجربن أي ضمة حقيقية في حياتهن؟ لا الألف ولا التاء؟
سأرد على رسالة ليندا أشكرها وأسألها لماذا هي دائماً وحيدة، لا، هذا لا يليق..سأسألها سؤالاً آخر:
عزيزتي ليندا..
سعيدة أنا جداً برسالتك.. كما كنت سعيدة بحديقتك..
أود أن أسألك عن..........

اثنوا الصفحة..سأغلق الكتاب


  



هناك تعليق واحد:

  1. Amani

    رسالة جميلة ومفاجئة تفتح كل الاحتمالات للبحث عن المرسل ... احب هذا النوع من الرسائل يجعلني افتح كل إدراج الذاكرة بحثا عن صاحبها ....
    تذكرت الحديقة وورودها والشارع والمطر والشمسية التي أنساها دوما او أحملها على مضض ...
    دومتي بخير مضمومة التاء لتمتعينا بقلمك

    ردحذف

رسالة من ماورد شديدة اللهجة..

 اسمعي يا عزيزتي الثرثارة جدا.. والصامتة جدا بما أنك في الفترة الأخيرة منطفئة، حزينة، لا أحد يسأل عنك أو يكتب لك رسائل، ولا أحد يأبه بك  سأك...