لذلك لا تخبرني..لا أريد منك جواباً، ألا ترى أن النهايات المفتوحة أجمل؟
أكتب لك ذلك وأنا أعلم أنك لن ترد على أسئلتي في هذا الإيميل، فلطالما رسلت لك موضوعاً وأسئلة جوهرية وتداعيات مهمة بالنسبة لي و لكنك ببراعة الثعلب تلتقط كلمة أو علامة تعجب أو فكرة على هامش الرسالة لتبني عليها رد رسالتك المقبلة..
لعله فن جديد اسمه" فن الرسائل المراوغة ذات الصلاحية المحدودة" ...
كن بخير أينما كنت..
ترى أنا حزينة)
أكتب لك ذلك وأنا أعلم أنك لن ترد على أسئلتي في هذا الإيميل، فلطالما رسلت لك موضوعاً وأسئلة جوهرية وتداعيات مهمة بالنسبة لي و لكنك ببراعة الثعلب تلتقط كلمة أو علامة تعجب أو فكرة على هامش الرسالة لتبني عليها رد رسالتك المقبلة..
لعله فن جديد اسمه" فن الرسائل المراوغة ذات الصلاحية المحدودة" ...
كن بخير أينما كنت..
ترى أنا حزينة)
ضغطت علي زر الإرسال وأغلقت الكمبيوتر الملقى على السرير وقمت لأتجهز للعرس ..
الأعراس، أغلبها "علينا" أن نحضرها بالإرغام وأن نقضي أكثر من نصف يومنا في الصالون لنتعارك على تأخر الموعد ثم نملأ وجهنا بالمساحيق وشعرنا بالسبراي ونذهب لنلبس فستاناً لم يره أصحاب العرس قبلاً ..نبقى في العرس مدة أقل بكثير مما قضيناه في التجهيز ، وحين نعود نمسح المكياج ونلقي بالقطن الملون في الزبالة..
وأنا أغسل وجهي وأنظر للقطن أشعر بالحزن أخيراً على النقود التي كنت قبل قليل متحمسة لدفعها في سبيل الظهور بقناع يظهرنا بطلة مرضية..!
حسناً..أنا أخشى أن أراها هناك، وأن أبقى طوال الليلة في حالة ضيق دائمة من مجرد رؤيتها..
أنا ذاهبة هذه الليلة مجاملة فقط لصاحبة العرس ولا أعرف أحداً مدعواً من صديقاتي ومعارفي إلا هي..لذا قررت أن أذهب لاختبر مدى شجاعتي ..
هل ستجلس معي على نفس الطاولة؟ لا لا أظن..ماذا لو فعلت؟
هل ستجلس معي على نفس الطاولة؟ لا لا أظن..ماذا لو فعلت؟
ترى هل يعلم بعض الناس أي ضيق تسببه مجرد رؤيتهم للآخرين؟
.........
أنا في العرس، الساعة جاوزت الواحدة ..
هي لم تأت وكفتني شر العراك مع مشاعري لأظهر بمظهر سيدة المجتمع المجاملة الراقية..
ربما هي لم تأت لذات الإحساس من ناحيتها، فرغم الأقنعة كلانا يعلم أي ضيق خفي صاخب تسببه كل منا للأخرى..
كنت أقول أن الأيام كفيلة بشفاء الجروح وإعادة الأمور -لتسير بشكل طبيعي على الأقل..
ولكن يبدو أنها حكمة غبية، فالجرح يظل جرحاً..ورؤيتها قد تتسبب في نزفه مجدداً
كنت أقول أن الأيام كفيلة بشفاء الجروح وإعادة الأمور -لتسير بشكل طبيعي على الأقل..
ولكن يبدو أنها حكمة غبية، فالجرح يظل جرحاً..ورؤيتها قد تتسبب في نزفه مجدداً
رغم ذلك، فزت هذه الليلة وكنت الأكثر شجاعة..
أجلس وحدي على الطاولة ، تأتي صديقتي منال- أخت العريس -والتي أتيت من أجلها فقط بعد أن ألّحت كثيراً بشكل مخجل على حضوري. كل ربع ساعة كانت تأتي لتجلس معي خمس دقاذق..
جاءت منال بإحدى صديقاتها من أيام المدرسة وأجلستها بجواري على الطاولة كي لا تتركني وحدي ، لم أكن أعرفها. عرفتني بها بأن همست في إذني مبررة معرفتها القديمة بها: البنت غلبانة اسمها سحر ، من أيام المدرسة،بس مرررا طيبة ووفية.
كانت فتاة بسيطة جداً تعمل ادارية في إحدى المدارس الأهلية، مظهرها كان بسيطاً وفستانها ومكياجها، وحين أقول بسيطاً أنا لا أقصد مظهر "كيت" في حفل الزفاف الملكي البريطاني، يعني لا أقصد البساطة الراقية المغرورة، لكني أقصد البساطة التي لا تعرف شيئاً في عالم الأزياء والموضة.
انطلقت الفتاة تتحدث بلا توقف عن عملها وهي تستعرض أمامي بثقة حظها كامرأة وجدت عملاً بعد تخرجها بسنة وإن كان في مدرسة خاصة، كانت لا تترك لي مجالاً للرد وأمام ذلك كنت أبتسم وأوافقها على كل ما تقول حتى سألتني فجأة ورأسها في السماء: هل تعملين؟
ابتسمت وأومأت لها أن نعم وأنا أدعو الله أن تبدأ المغنية بأغنية جديدة الآن و تجعلها من علو الصوت تتوقف عن سؤالي ماذا أعمل.
لكن المغنية تأخرت فجاء السؤال: ماذا تعملين؟ شكلك في مدرسة خاصة زيي..والله احنا اللي نفهم بعض..
ابتسمت مرة أخرى دون أن أجيب، فوجدت أنها تنتظر مني إجابة فقلت: دكتورة في الجامعة..
ارتسمت كل علامات الشخبطة على وجهها الذي انخفض قليلاً وقالت: قولي والله، لم تخبرني منال يوماً أن لها صديقة دكتورة في الجامعة..!
سكتت بعدها سحر ولم تعد للكلام معي، بدأت المغنية بعدها بقليل تغني بحماس فانقطعت وسائل الاتصال الشفهي بين كل الحاضرات، هل قلت قبلاً أنني اقترحت توزيع دليل لتعليم لغة الإشارة مع بطاقات الدعوة في أفراحنا؟ هل حكيت يوماً أننا كنا ذات عرس أنا وصديقاتي على نفس الطاولة نتحدث بماسنجر البلاك بيري لأنه ليس بوسعنا سماع بعضنا..
ترى، ماهو شكلنا على طاولة دائرية عيوننا مزروعة في أجهزتنا نضحك ونكتب بحماس؟
طيب أنا أشعر بالملل الآن، سأكتب من هاتفي رسالة:
المطربة تغني:
"أهل مكة حمام..
وأهل المدينة قماري..
وأهل جدة غزال.."
كل امرأة تظن أنها المقصودة..وترقص النسوة بحماس..
.
.
لم ترد على رسالتي السابقة
وأنا أكتب لك ثانية دون أن آبه..
ثمة شيء يربطني بهذا المكان..
لا أدري ماهو..
هو شيء يخيفني على أية حال..
لأنه يبقي الباب موارباً ولا يغلقه رغم وجود المفتاح على مزلاجه..
.
.
"يردون..قلت لازم يردون..هذا طبع اللي يحبون.."
المطربة تغني ..والنساء ترقص..
.
.
أكتب اليوم لأني حزينة..
دائماً لا أجدني أستحق شرف الحزن..
ثمة حزانى أكثر جدوى في الحياة..أكثر هماً وأكثر هيبة..
تقول أن الحزن ليس مترفاً..أهو نسبي إذن؟
لم أخجل إذن كلما زارني هذا الضيف الثقيل؟.
.
.
" ولا عاد زلة أو طلة..يحقلكم لنا الله
سبحانه وقدروا عليك"
..المطربة تغني.. والنساء ترقص
.
أكتب اليوم لأني حزينة..
والكتابة تتواطئ بشكل سافر مع الحزن..
تحول الكلمات إلى خناجر صغيرة تجيد التسلل ..
تجري معركة فضائحية صغيرة..تجرح..وتترك القلب مثخناً..
أنا أتحمل مسئولية الحزن كاملة..
أنا التي لا أستفيد من الدروس ..وأترك الأبواب مشرعة..والقلب مبتسم..والنوافذ التي تأتي منها الريح لا أعرف كيف أسدها وأستريح..
.
.
.
"بوجودك يا أبو سمرة يحلى السهر بالليل..
المغنى حياة الروح..يشفي القلب المجروح.."
المطربة تغني والنساء ترقص
.
.
.
أنا حزينة اليوم..
وكالعادة ..راودني البحر الأحمر عن نفسي
قال لي أن أشرب مائه أو أغرق فيه..
هذه طقوس الحزانى في هذه المدينة
وأنا أريد منه شيئاً آخر..
أريد مرجانه وأسماك قرشه وموجه الصاخب..
أريد منه أن يوصلني إلى ضفة وألا يضيعني كما ضيع رسالتي في القارورة ..
لكنه لا يأبه بي..
ويقدم لي ماؤه في كؤوس بلورية كي أتجرعها..
.
.
"أشرلي بالمنديل..
فستانه كحلي طويل"
..المطربة تغني..
هل أقوم أرقص؟
ألبس فستان كحلي طويل ..
.
.
سأفعل مثل البقية وأتوهم أنها تغني الأغنية لي..؟
هي تنظر لي وتبتسم..وتدعوني لأن أرقص..
.
.
لن أرقص!
حين ضغطت زر الإرسال علق هاتفي الذكي وضاع كل ما كتبته أدراج الرياح أو ربما أدراج ذبذبات صوت المطربة..
عدت إلى المنزل متأخرة رغم أنني هربت بمجرد نزول العريس والعروسة وانشغال منال بهما، عدت وأنا حتى لم أتعشى..لكنني على الأقل كنت أدرك أن............
ثنية الصفحة لو سمحتوا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق