ما سأكتبه اليوم قد يبدو مضحكاً وسخيفاً للبعض، لكنه ليس كذلك بالنسبة لي أبداً...!!!
حادثتني اليوم زميلة من جدة تنوي أن تستفيد من برنامج الإتصال العلمي السنتين ، بل إنها قد رتبت أمورها للسفر في رمضان والقدوم إلى ليدز وجامعة ليدز..
دلتها أماني علي باعتبار أن حجم البيت الذي أسكن فيه مناسب لعائلتها الصغيرة فطلبتْ أن أبعث لها بعض الصور، وبعد أن رأت الصور حادثتني اليوم لتسألني مزيداً عن الأسئلة عن البيت والحياة والمدارس والمواصلات وكل التفاصيل خاصة أنه بعد تركي للبيت بعدة أيام قد تصل هي إلى ليدز..
تحدثتُ عن عيوب البيت لمدة ١٠ دقائق ، أخبرتها أن به حمامين فقط أحدهما كحمام الطيارة، وأنه لا يوجد نشافة ملابس وأننا نضطر إلى توزيع الملابس على الدفايات وبالكاد نجدها جافة في اليوم التالي..
ثم .....
تحدثت لأكثر من نصف ساعة عن مزايا البيت..وأن به شبابيك متسعة تظهر منها السماء وغيومها والمطر وأقواسه والثلج وانهماره...
أن الجلوس في دفئ شعاع الشمس الرقيق المتسرب من نوافذ غرفة الجلوس عصراً ونيران المدفئة مساءاً واختلاطهما بهواء بارد وكوب شوكولاتة ساخنة لا يعادلهما أي جلسة في الدنيا...
أن الحديقة الأمامية تمتلئ بزهور صفراء وبيضاء في الصيف لا نعرف من زرعها..وأن الحديقة الخلفية بها شجرة كرز تزهر في الربيع زهراً رقيقاً وردي اللون...
حاولت أن ألا أكون متحمسة كثيراً فتوقفتْ..
ثم تحدثتُ لمدة نصف ساعة أخرى عن مدرسة الأولاد وكيف تأقلموا سريعاً، وعن سهولة ركوب الباصات ومتعة ركوب الدور الثاني، وعن إمكانية الذهاب بواسطة القطار إلى كثير من المدن القريبة والجميلة..
ثم سكتُّ مرة ثانية...
فليس من حقي فرض تجربتي الشخصية على أحد ما، خاصة أنني أعرف كثيراً من السعوديين اللذين يعيشون هنا ولا يرون أنها تجربة جميلة كما أراها أنا..
بعدها خرجت للذهاب إلى السنتر، الجو كان بديعاً، مشمساً وبارداً إذ أن الحر هنا لا يبقى إلا يومين في العام. كانت حدائق الجيران قد طفحت بالورد الأحمر والبرتقالي من أكبر حجم دلالة على مقدم الصيف، ثم ركبت باص 7s في الدور الثاني كما أحب وراقبت عن بعد little London وهي سنتر ليدز كما يسميه السكان المحليين..
كنت جائعة فاشتريت بيتزا من كشك البيتزا ذو الرائحة الشهية في طرف السنتر، وضعت ٢٠ بنس في علبة الجيتار الخاصة بالعازف والمغني الذي يقف عند أحد المقاهي ليملأ الدنيا صوتاً عذباً وألحاناً جميلة..
انتهيت من قضاء حاجاتي بسرعة وفي طريق عودتي وأنا أمشي من موقف الباص نحو المنزل كنت أضع سماعاتي الخاصة وسمعت أغنية Edilweiss ولم أدر إلا ودموعي التي حبستها منذ مكالمة الصباح تنهمر بصمت...
أحقاً سأترك بيتي الذي أحب لأحد غيري؟ أحقاً سينام أحد ما على سريري؟ ينظر من شباكي إلى ذات القمر؟ ويشرب القهوة أمام ذات الشرفة؟
أحقاً هذا البيت -الذي خُيِّل لي أول مرة دخلته أنه بيت الأقزام السبعة في الغابة- لن يصبح بيتي بعد الآن ولن يصبح عنواني Scott Hall road 946؟
الشجرة الحمراء أمام نافذتي وشجرة الكرز أمام نافذة الأولاد..من سيراقبها؟ من سيدرك أن الشتاء على الأبواب حين تصبحا عاريتين ويدعو الله أن يدفئهما تحت الثلج المنهمر؟ من سيتنطنط فرحاً حين يرى أول برعم وردة قد نما بين أغصانهما على خجل؟
من سيخرج في الخريف ليستمتع في سادية بصوت تكسر ورق الشجر المتقمر المحمر تحت أقدامه؟
يكفي...صح؟
عن طيب خاطر أترك البيت لخلود لأنه لا بيت أفضل منه في ليدز..وعن خاطر مكسور سأترك البيت وأرحل لأنه أيضاً..لا بيت أفضل منه في ليدز..!!!
اتعلمين يا اروى ما الغريب في ماكتبته اليوم
ردحذفانه هو نفسه ذلك الاحساس الذي يراودني من اول يوم دخلت في لبيت ما ورد
هل فعلا بيت اروى بهذه الرومانسية والجمال والربيع
هل الخضار والازهار هي ذاتها التي كنا نتابعاها في مسلسل الاطفال ليدي ليدي
ام هايدي ام سالي
ام هي التي تراه بهذا الجمال الرائع لان جمال روحها انعكس عليه
ام اصابته عدوى من جمال حروفها
انني اجزم ان جمال البيت وشجرة الكرز والشجرة الحمراء والعنوان كلها اشياء ازدات جمالا بروحك الطفوليه وافكارك المتفائلة
فاينما يكون العنوان يا اروى يكفي ان تسكنيه انت وبراعمك الندية
ياااه..افتقدتك يا حرية...
ردحذفوما زلت أحاول أن أضع قطعة البازل الناقصة لإكتمال الصورة...والقبض على "حرية" بتهمة التسكع الجميل في بيتي..
.
.
أحقاً ما تقولين؟
لماذا إذن أحب هذا العنوان ويعني لي كثيراً ؟
لماذا أتيت ليدز بقلب منكسر فضمدتني وها أنا أرحل أيضاً بقلب منكسر لفراقها؟
.
.
شكراً حرية على كلماتك الجميلة..أحتاج أن أقرأها دوماً..من الآن وحتى شهرين أو ثلاثة..