منذ أن أتيت وكل شيء يبدو غريباً، لم يدر بخلدي يوماً أن هناك على جزء آخر من الكرة الأرضية أناس وأرض وشوارع وحياة ، بل حتى اتجاه قيادة السيارة - مختلف عنا إلى هذا الحد..
ترتدي النساء كل يوم رداء أسوداً فضفاضاً ، بعضهن كسيدتي التي ترتدي نظارات شمسية في النهار . لكن في المساء حين يتواطئ الليل مع أرديتهن السوداء يصعب التفريق بينهن..
كم تبدو نسائنا أبهج وأجمل وهن يرفلن في ملابسهن الملونة وعقود الفل وخشخشة الأساور، لا أدري أي جمال في رداء هو نفسه كل يوم، أليس هؤلاء القوم يملكون مالاً كثيراً؟
أرتديت ذلك اليوم أجمل ما عندي، قميص أحمر داكن حريري مع بنطلون منقوش ، كنت في شوق لأن أسمع كلمة مدح أو إطراء واحدة كما كانت تفعل أمي حين ألبس هذا القميص متوجهاً إلى مناسبة مهمة، لكن لا أحد علّق ولا أظنهم شاهدوه..بل هم لا يعرفون معنى أن يكون الشخص أنيقاً وملوناً ، حتى فتياتهن الصغيرات مقصوصات الشعر بدون ضفائر طويلة مزيتة بل ترتدي بعضهن هذا الرداء الأسود..
لغة الناس هنا أيضاً مختلفة، في السيارة تتحدث سيدتي في هاتفها أغلب الوقت ، لا أفهم شيئاً إلا بعض الضحكات التي تطلقها أحياناً، حتى الإنجليزية التي كنت أظن أنني أعرف بعضاً منها تبدو مختلفة وكأنها لغة أخرى ..تتحدث إلي سيدتي وتأمرني بأن أذهب إلى مكان ما، لكني أقسم أنني لم أفهم منها، أحاول جاهداً أن أفهم وأن أعيد الكلمة عدة مرات لكن يبدو أن سيدتي لا تعرف الإنجليزية جيداً وإلا لماذا أشعر أنها تتحدث لغة غريبة تماماً؟أحاول أن أنظر إلى وجهها وهي تتحدث علني أراقب شفتيها فأفهم ما تقول ولكنها تستاء ولا يبدو وجهها مريحاً أو مرحباً ، حين أخطئ في الطريق أقول الكلمة التي علمني إياها ابن عمي "شت" هذه الكلمة تدل أنك إنجليزي جداً لذا سيدتي لا تفهمها ، حروفهم هنا طائرة لا يضغطون على مخارج الحروف ويرقصونها مثلنا، ولا تتحرك رؤوسهم أبداً عند الحديث، لا تتمايل وتظل ثابتة في بلادة، يا لحياتهم الجافة..!
غرفتي بجوار منزلهم ولم أشم حتى الآن رائحة طعام مطبوخ ! هل يعقل أنه خلال الأسبوعين الماضيين لم يوقدوا ناراً ليطبخوا عليها أي وجبة؟ هم لا يعرفون الإنجليزية ولا يعرفون كيف يلبسون ولا يطبخون أيضاً..
اليوم ثارت علي سيدتي لأنني أخطأت في الطريق إلى عملها فقلت لها من ارتباكي: رودز آر تشينجنج...فصرخت وقالت ما معناه: رودز نو تشينج...أحبطت ولم أعرف كيف أوصل لها فكرة أن الطرق اختلفت في مخي وأنها تصيبني بالحيرة جداً.
حين أحضرتُ الفتيات من المدرسة ، تحدثت مع الفتاة الصغيرة فهي تبدو ألطفهم وتسمعني وتحاول أن تفهم مني مع أنها أيضاً لا تجيد الإنجليزية ، حاولت أن أفهمها بأن تبلغ والدتها اعتذاري وأن تخبرها أن تتحدث معي بطريقة بطيئة علي أفهم هذا الذي تدعي أنه إنجليزي...
قالوا لي أنهم أناس أغنياء جداً بالنسبة لنا ، لذلك حين أتيت كنت أقوم في كل مرة بفتح باب السيارة لسيدتي وإغلاقه خلفها حتى منعتني ذات يوم وقالت لي :نو...هل هي مستاءة مني إلى هذا الحد؟ حقاً لست أعرف كيف أرضيها.
كل يوم حين يأتي المساء أعود وأكتب في دفتري الأصفر كل الأماكن التي ذهبنا إليها حتى أتذكرها: جراند ما، ماي ماما ، سكول، وورك، بوك ستور ، وأماكن أخرى لا أعرف كيف أنطقها بعضهم أصدقاء للفتيات وبعضهم أصدقاء الفتى الصغير..حقاً لا أجد طريقة لنطق هذه الأسماء أو حتى تمييزها وتعليقها بذهني..
.
.
ياااااه يا بلدي كم أشتاق إليك، وإلى بساطتك وصخبك وألوانك وصوتك العالي، هنا لا يوجد أناس يتكلمون مع بعضهم في الشوارع، الكل يملك سيارات ولا أحد يمشي برجليه أو يستخدم حماره للتنقل، بل منعتني السيدة من أطلق بوق السيارة كما كنت أفعل دوماً..
أتظنون أن بوسعي تعليمهم انجليزي حتى يسهل التواصل معهم؟ أتظنون أن بإمكاني استيعاب شوارع هذه المدينة الكبيرة جداً التي تكثر فيها أعمال البناء والتحويلات؟ أتظنون أن بوسعي الإستغناء عن لذة البهارات وروعة الألوان والعيش في هذه المدينة الجافة؟
.
..
" كتابة حاولت أن تكون على لسان سائقي الهندي الجديد(عبد الغفار) الذي يكاد يصيبني بالجنون...لعلي أفهمه أكثر..."
يمكن قرأت العشًرة الالسطر الاولانيه ٤ مرات عشات اتأكد اني بأقرأ شي مظبوط بعدين بدأ الاي كيو حقي بالارتفاع فقلت اكيد بتتكلم عن السواق
ردحذفبس بعيدا عن الاي كيو حقي خيال رائع الله اكبر على قول المصرين
بس جلست اخيلك في البدايه انك لابسة باوزة حرير حمرا وبنطلون مشجر ولا مزخرف ولا اللي يكون بد
هههههههههه...عادي إيش فيها لو لبست بلوزة حرير وبنطلون مشجر؟ ترى إحنا ما نفهم في الموضة وندفع في العباية السودا الشي الفلاني والحياة أبسط من كده...
ردحذفتصدقين ..أفكر كل يوم وأنا أتأمل ملامح السائق الطيبة : إنه يعيش حياة بسيطة ، وأقصى أحلامه أن يتقن عمله ويرسل راتبه لأسرته مزهواً راضياً آخر الشهر..بينما أقصى أحلامي أن أنشر أبحاثاً في مجلة مرموقة أو حتى أفوز بجائزة نوبل..مالذي يصنعنا في النهاية؟ سقف أحلامنا أم رضانا وبساطتنا؟ مالذي يجعلني مختلفة عنه؟ أيسلك هو طريقاً مستقيماً وأسلك أنا آخر دائرياً لنصل في نهاية الطريق إلى ذات النتيجة؟ أليس النجاح مسألة نسبية؟ .....امممم..عبدالغفار يدفعني للتأمل وفلسفة الحياة كل يوم..
حَياتنا نحن البشر أشبه بـالبحر تماما ،
ردحذفمنا من هو على سطحه ْ
ومنا من هو متعمق يهيم في جوفه !
*
*
تحَية لِـ فكرك و فلسفتكِ / د أروى
هَيفاء *
شكراً لك هيفاء..:-)
ردحذفوأهلا بك في بيت ماورد