- قلت لصديقاتي: يوم الجمعة يوم إجازتي..ليس لدي محاضرات ولا أي أعمال إدارية..وأتمنى أن لا أدعى لأي اجتماع.
سأبقى في المنزل،،ربما أؤدي بعض الأعمال وربما حتى أجعله يومي المفتوح دون أن ألزم نفسي بأي شيء..
كان الجميع ينظر إلي باستغراب ولسان حالهم يقول: كلنا الجمعة يوم إجازتنا، وليس لدينا محاضرات ولا التزامات..ومن سيدعوك إلى اجتماع يوم الجمعة؟!!!
طبعاً فجأة أطرقت ، وكشرت، ثم غرقت في ضحك هستيري، وقلت لهم : أقصد الأربعاء الموافق الجمعة على تقويم أيام الأسبوع البريطاني...
يا رب
يا رب
رتّب أيام الأسبوع في مخي على حسب تقويم كل بلد ...!!!!
تذكرت كم عانيت من هذه المشكلة حين كنت في بريطانيا، وتذكرت كم هي الأيام في عقلي ليست مجرد أسماء بل مساحات لممارسات ومعان ...
- هجمت على أبيات الشعر القديمة تلك ليلة البارحة،،لا ليست الأبيات ، فلم أعد أذكرها ، ولكن معانيها وقصصها والمشاعر التي كانت تثيرها في في أيام بعيدة، وما بين تلك الأيام وما بين البارحة أكثر من ٢٥ عاماً ، ما بينهما لم تمر علي ولا قصيدة شعر واحدة باسمه...
دعوني أبدأ القصة من البداية : حين كنت على أعتاب المتوسطة جاء لأبي ديوان شعر باسم الشاعر عبدالمحسن حليت مسلم، المختلف أن الديوان كان به إهداء وتوقيع من الشاعر، ولأنني كنت بالصف الأول المتوسط ولأنني كنت أظن أن الكتاّب كائنات لا تشبهنا تعيش على كوكب آخر فقد تعاملت مع هذا الكتاب بأنه شيء مختلف ، استأذنت من أبي أن آخذ الديوان، وكنت كل أربعاء أجلس في غرفة المكتب أحفظ أكبر قدر ممكن من الأبيات استعداداً للمساجلة الشعرية التي كانت تجرى في المدرسة كل سبت، أثناء حفظي كنت أهيم بالقصائد، أغنيها تارة، أحذف بعض الكلمات تارة أخرى وأبقي على القافية وأكتب أبيات مضحكة ، أقلب الديوان وأتأمل صورة الشاعر في أحيان كثيرة وأقرأ سيرته الذاتية التي حفظتها أيضاً..
انطوت هذه الذكرى مع ذكريات الطفولة لكن ظل اسم عبدالمحسن حليت كشاعر تحدثت معه وتعاركت وتناقشت وغنيت وغفوت على صفحاته كثيراً.
البارحة ذهبت إلى النادي الأدبي لحضور أمسية تكريم للكاتب الجميل رحمه الله محمد صادق دياب صاحب كتاب "جدة" الذي أحب وصاحب كتب ومقالات أخرى كنت أتابعها ، كان مريضاً وفي إحدى مستشفيات لندن في الفترة التي كنت فيها هناك، وكنت أخطط أنا وصديقتي أماني أن نزوره ولكن المنية وافته قبل أن نتم ما فكرنا فيه..كنت قد قرأت ذات مرة أن عبد المحسن حليت صديقه الحميم فعاد الإسم إلى ذاكرتي وابتسمت.
البارحة في الأمسية ظهر الشاعر عبدالمحسن كمفاجئة إذ أنه لم يكن ضمن برنامج المتحدثين لكنه تحدث وحكى وألقى قصيدة شعر وبكى وأبكانا، حكى لنا كيف أنه قبل وفاة محمد بعشرين يوماً تقريباً في لندن كان لدى الطبيب وقد أخبره بأن صديقه قد تدهورت حالته الصحية وأنه لن يعيش أكثر من ٣ أسابيع على الأكثر، أخبرنا كيف خرج من عند الطبيب منكسراً مهزوماً حزيناً وكيف عاد إلى فندقه وكتب قصيدة رثاء وصديقه ما زال حياً..تلك القصيدة التي لم يقرأها لأحد قبلاً..
وقرأها ليلة البارحة..
يا للقصيدة..!!!!
.
.
ويا للحزن!!
.
.
وياللصداقة!!.
.
.
ويا للشعر!!
ويا للصدفة أيضاً..!!
كيف استطعت يا شاعري القديم أن تجمع كل ذلك معاً...في ليلة واحدة،،وبصوتك؟
نفَسك الشعري الذي أعرفه؟ لغتك الجميلة..مشاعرك التي تضاعفت عشر مرات لأنه صديقك الذي يعرف الجميع كم يعني لك..
كيف استطعت أن تضعنا في مواجهة كل ذلك الزخم معاً..
كيف استطعت أن تجعل وداع كاتبي الذي أحب لقائي بك أنت في هذه الأجواء التي تشبه ليلة ممطرة في جدة؟
لم أشأ أن أتحدث معك البارحة،،ولم أشأ أن أهتك خصوصية غلالة المشاعر الغريبة التي انتابتني..ولم أشأ أن اكشف لك أن امرأة من الجمهور كانت ذات يوم فتاة صغيرة تحمل عنك هذه القصة التي قد تراها أنت مضحكة...!
.
.
فقط...شكراً لأنك ظهرت بعد كل هذه السنوات هذا الظهور الدرامي الجميل...!
وشكراً لمحد دياب أبو البنات الذي يظل كل ما يتعلق به جميلاً..حتى بعد موته...!
وشكراً لمحد دياب أبو البنات الذي يظل كل ما يتعلق به جميلاً..حتى بعد موته...!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق