الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

هنا جدة..(١٦)

كنت تخبرينني البارحة عن صديقتك - والتي أمها صديقتي أيضاً- وكيف أن أمها تقوم بنزع سماعات الهدفون منها إذا كانت تستمتع إلى الأغاني إذ أنها كما تقولين صارمة جداً في هذا الأمر
تعجبت..فأنا أعرف صديقتي- وقلت لها: أتعنين أنها لا تسمح لابنتها أن تسمع الأغاني لأنها حرام؟
صمت للحظات ثم قلت: لا أظن لهذا السبب..لكن لأنها "غير مناسبة" كما تقول..
.
.
ولأنني أعرف صديقتي جيداً ولأنني أعرف نوعية الأغاني الأجنبية وفيديو كليباتها المستحيلة التي يتفرج عليها مراهقي ومراهقات هذه الأيام أدركت معنى كلمة "غير مناسبة" ....
رغم ذلك، لم أكن متأكدة إن كان المنع هو الطريقة المناسبة لأن صديقتك كما تقولين "مركّزة" في إيجاد ألف طريقة وطريقة لمتابعة كل جديد في هذا المجال..
أخذنا نتحدث أنا وأنت، وقلت لك أستطيع أن أتفهم وجهة نظر المنع والتي هي فقط بغرض حماية ذوق صديقتك وأخلاقها، أخبرتك أن الأغاني نوع من الفنون وأن الفنون وجدت للإرتقاء بأذواق الشعوب وأنه لا رقي ولا ذوق في هذا النوع من الأغاني الأجنبية ذات الكلمات والصور المغرقة في الجنس والعنف..قلت لك ..لا أفهم أبدا كيف يمكن أن يكون ذلك نوع من أنواع الجمال الذي يهذب الروح ويرقى بها...والغريب أنك وافقتيني جداً..
في ذات اليوم ..خطر على بالي خاطر بعيد من عمق الذاكرة..وجدتني أدندن بكلمات تقول: "بكرة إنت وجاي" كنت كمن ضبط نفسه يرتكب جرماً جميلاً، أسرعت للعم جوجل..وحصلت على كنز صغير مخبوء في درج من أدراج ذاكرتي البعيدة..كانت أغنية فيروز الجميلة جداً:

لهذه الأغنية قصة: هي جزء من مسرحية غنائية قديمة اسمها "الشخص" ، هذه المسرحية أعطاني إياها أبي وأنا في الابتدائية ، أذكر حين تفرجت عليها لأول مرة ، وكيف توالت المرات والدهشات بعد ذلك، كيف حفظتها وغنيت مع كل أغنية ورقصت مع كل دبكة وأنا أربط المناديل الملونة ، هذه الأغنية بالذات تقول فيها الفتاة الحلوة صاحبة عربة الطماطم وهي تغني: 
بكرة إنت وجاي رح زيين الريح
خلي الشمس مرايي والكناري يصيح
وجمع ناس..واعلي أقواس
وبكل شارع أضوي حكاية....

وتستمر كلمات الأغنية وإدراكي الطفولي يتشربها ويتصور ذلك الشخص الذي تنتظره تلك الفتاة ليصبح فيما بعد قيمة أو شعوراً أو شيئاً خفياً أنتظره طوال عمري وأعيش عليه أخلع عليه كل تلك المواصفات الخيالية المستحيلة (رايتك منصوبة والذهب ميزانك) التي كانت الفتاة الحلوة بائعة الطماطم تتغنى بها..
اكتشفت في تلك المرحلة فيروز وموشحاتها الأندلسية وعن طريقها اكتشفت : يا من حوى ورد الرياض بخده..ولو كان قلبي معي ما اخترت غيركم..اكتشفت الشعر العربي وجمال الكلمة العربية..عنترة بن شداد ، زهير بن أبي سلمى ، المعلقات ، وكانت فترة قراءة ثرية وملونة ومفعمة بالخيال وأنا لم أبلغ المرحلة المتوسطة بعد..
هذا تماماً ما كنت أقصده حين كنت أقول أن الفنون والشعر والموسيقى تعلم الإنسان مصادر أخرى للجمال في الحياة...تثري الذائقة وتنميها..
في ذات اللحظة سألتني ابنتي وهي تذاكر بتأفف: لماذا ليست اللغة العربية بجمال الإنجليزية؟ هل هناك غير كلمة جميل ورائع لوصف أي شيئ يعجبك كما تتعدد الكلمات في الإنجليزية؟

أغمضت عيني وأسقط في يدي ولم أرد!!!!!!! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنت وصديقك

 ليس للحياة معنى..إنها ماضية  فقط...ماضية وغير آبهة بأي أحد.. تمر فوقي وتتعداني دون أن أشعر بها..صامتة دون صوت..رمادية دون لون.. متى ستنتهي ...