إنها رحلة الثمانية وأربعين ساعة..رحلة أكواب القهوة التي لم أنه منها كوباً واحداً أبداً..رحلة الحقائب الممتلئة كتباً والتي عجزنا أنا وصديقتي هناء أن نحملها فحملها لنا أشخاص مجهولين قابلونا في المطار والطائرة وباص المطار..رحلة التوقعات التي بطلوع الروح استطعنا أن نجعلها إيجابية بنسبة ٥٪ ..رحلة الرجال الغير سعوديين واللذين اكتشفوا أن للمرأة السعودية شكلاً ولهجة أخرى ..رحلة أجندة اجتماعنا أنا وهناء الذي لم ينته بعد..رحلة فن تحويل الصدمات إلى قهقهات ودهشات..إنها رحلة الرياض للمشاركة في الملتقى الدولي الأول لثقافة الطفل..سأكتب بعض المشاهدات فقط،،وسأحاول أن ألتقط الإيجابيات أيضاً كما يلتقط الحب من وسط العشب:
- سأعطي درجة صفر للتنظيم، ولا يدرك معنى ذلك إلا من حضر بنفسه ورأى. كل الحضور والمتحدثين من داخل المملكة وخارجها وأصحاب دور النشر كانوا مستائين ، كل المحاضرات والندوات الجماهيرية كانت بلا حضور، لم يكن أي شيء في موعده، ولم يكن هناك دعاية وإعلان كافيين، لم يكن الحدث أبداً على مستوى اسم الحدث أو على مستوى ضيوفه وكان هذا بالنسبة لي شيء مؤلم خاصة أنني كنت قد سمعت عن البرنامج فقط لكنني فوجئت به على أرض الواقع، الحديث كان شيئاً والتنفيذ على أرض الواقع شئ آخر تماماً لا يشبه ما سمعت عنه أبداً، لم أكن أستطع أن أنأى بنفسي وبإحساسي عن كوني سعودية وهذا الأمر يقام على أرض سعودية ويمثل المشهد الثقافي السعودي أمام إخواننا في العالم العربي..كان بجد إحساساً مؤلماً..وطوال الرحلة كنا أنا وهناء نتناقش نقاشات حارة لمعرفة ما السبب ولماذا ومن الغلطان..الوزارة؟ فريق التنظيم؟ العقلية التي تضع ثقافة الطفل في مرتبة دنيا؟ البيروقراطية التي تصعّب كل ذلك؟عدم وجود شراكات منظّمة تنفذ الحدث؟ التقليدية في العمل؟ سوء الإدارة؟ الإنغلاق ؟ ربما كل ذلك معاً ؟ والسؤال : لو كانت إحدانا وزيرة هل سيكون بوسعها أن تغير شيئاً؟ وحتى وصولنا لأرض جدة ونحن لا زلنا نناقش هذا الأمر.
الخمسة في المئة الإيجابية جاءت من مقابلتنا لأشخاص مهتمين في نفس المجال، وهذا عادة يمثل جانباً مهماً ووضيئاً في مثل هذه الملتقيات:-
- أول الشخصيات كانت الكاتب عبدالتواب يوسف وهو كاتب مصري في الثمانين من عمره له إنتاجه الكبير في مجال كتب الأطفال ، كتب قصص أطفال وكتبَ كتب عن أدب الأطفال ، ربما له مدرسته الخاصة والقديمة في كتب الأطفال والتي ربما قد تكون غير مناسبة للعصر الحالي لكن عمره وتجربته كانا مبهرين. كان يتحدث عن أحداث قديمة وكأنه يقلب في كتاب تاريخ ، وحين كنا نحدثه كان لا يفهم لهجتنا بسهولة ولا يسمعنا بسهولة كذلك لأن سمعه ثقيل بحكم عمره ..حصل على جائزة الملك فيصل قبل أن أولد وجائزة بولونيا لأدب الأطفال وجوائز أخرى كثيرة..رغم ذلك كان يبدو شخصية بسيطة قادمة من بيت مصري بسيط ، ركب معنا في السيارة وكان يحكي لنا عن جدته وكيف استلهم من حكاياتها أول قصة كتبها ، ثم تعارك مع السائق النوبي والذي كان يصر على أحقية النوبيين في حكم مصر بحكم ما قدموه لمصر منذ الفراعنة وأمام هذا الدرس التاريخي الحي كنا نسمع أنا وهناء مندهشتين ضاحكتين.
- قابلنا وليد طاهر صاحب قصة النقطة السوداء. رأيناه في البداية من بعيد في الملتقى باعتبار أن لديه حفل توقيع لقصته الجميلة جداً والفائزة بجائزة "إتصالات"..أخذ يتجول على غير هدى لعدم وجود أي أحد ليقوم وليد بالتوقيع له، حين نزلنا لمقابلته كان قد أصيب بخيبة الأمل وبالملل وعاد للفندق، قابلناه في اليوم الثاني على الإفطار ووقع لنا نسخنا الخاصة واعتذرنا منه وقلنا له جدياً أن ذلك لا يمثل كل المهتمين السعوديين بأدب الطفل..أخذنا منه وعداً أننا لو دعوناه لجدة فإنه سيأتي وسينسى تجربته التي مر بها في الرياض، القصة جميلة ، وهي تجعلني أفكر ثانية: لمن تُكتب قصص الأطفال؟ للأطفال فقط؟ إذن لماذا تعجبني بعض قصص الأطفال أحياناً إلى هذه الدرجة؟ لماذا أقرأها برؤية أخرى وأفهمها وكأنها تخاطبني؟ لماذا أشمها وأقبلها وأضمها بحنان وأحتفظ بها في مكتبتي الخاصة لو أعجبتني؟ لماذا أحرص على تجميع توقيعات كتابي المفضلين كهواية تجميع الطوابع والعملات؟
- قابلنا شخصيات أخرى مهتمة بأدب الأطفال ، تبادلنا الحديث ..والحديث..والحديث..والحديييييث..ولا شيء آخر غير الحديث والبزنس كاردز .....
- عُرضَت قصتي "فاطمة الحالمة" في إحدى ورشات العمل كنموذج كانت تعمل عليه المدربة وبالمصادفة كنت أحضر الورشة، بعد أن قرأت المدربة القصة بصوت جميل وبخلفية موسيقية وبعد أن تناقش البعض حول القصة قامت أحدهم من وزارة التعليم وقالت أن لديها اعتراض على القصة من جهة عقائدية: قالت أن بالقصة خيال "غير موجه" ولا ينبغي أن نعلم أطفالنا وأن نشجعهم أن يطلقوا خيالهم إلى هذه الدرجة ....
لم أستطع الصمت سألتها: كيف يكون الخيال موجهاً إذن؟ وما دخل ذلك بالعقيدة؟ ولماذا ما زلنا نحجم خيال الأطفال؟ قام أحد المدربين المستضافين واسمه الأستاذ يوسف سعادة وهو أردني يعمل في اليونسيف وقال لها : إلى متى نحجم خيال أطفالنا ونخفض سقف خيالاتهم؟ وكيف كانت فكرة الصعود للقمر ؟ وكيف كانت فكرة الآيباد؟ والإنترنت؟ والطائرة وغيرها من الاختراعات ؟ ألم تكن في لحظة من اللحظات فكرة مغرقة في الخيال؟ ألم يأت الوقت لنحطم هذا الفكر المقولب الذي يتبع حكوماته ويقتل الإبداع والخيال ويحطم أي بذرة للإختلاف؟ حزززززززنت جداً وقتها ليس لأنها قصتي والله، بل لأنها سيدة تعمل في حقل التعليم وبيدها مصير أبنائنا وتفكر بهذه العقلية....
.
.
.
.
الآن أنا أشرب قهوتي...وأنهي الكوب إلى آخر قطرة!!!!
جمعتكم مباركة:-)
ماورد ... قرأت أسطرك وأنا أتخيل المواقف التي يمكن أن تكوني قد تعرضتي لها ، وكنت قد سمعت منك تفاصيل صغيرة موجعة عن التظيم قبل بدء المهرجان وكانت لا تعطي أي انطباع بالراحة على الإطلاق ،، بانتظار مكالمة طويلة نحكي فيها عن كل شيء..
ردحذفلازالت أمنياتنا تتواصل بأن تكوني وزيرة الثقافة في ظل الانفتاح الجديد ، فهاقد وصلت المرأة لمجلس الشورى واصلي الأمنيات التي بتنا نعرف أنها بإصرارنا تعرف كيف تتحقق وقتها بدل أن أرشحك لعمادة الكية أرشحك لمنصب وزيرة الثقافة ،،، أظن بأننا أصبحنا خبراء في الأمنيات والسعي نحو تحقيقها ...
لو كانت أمامي صاحبة الخيال الموجه وكان بيدي جهاز تحكم لأغلقت عليها في سرداب مكتوفة الأيدي ومغمضة العينين حتى تفكر فقط من منظار موجه نحو السواد وتموت بعيدا عن خيال الأطفال وعقولهم وتعليمهم ...