الأحد، 30 مارس 2014

Bologna

البارحة فقط عدت من إيطاليا..
أظنها من هذه الرحلات التي تُخبَئ في القلب والجيوب والروح إلى حين..
كتبت عن رحلتي إلى فرانكفورت وصداقاتي هناك في دفاتري الشخصية ولم أنشرها هنا..
الآن سأكتب عن رحلتي إلى إيطاليا..
من يدري ربما أؤلف كتاباً إسمه: صفحة بين معارض الكتب في العالم...
ههههه إيش دا العنوان بالله!
حتى الآن ذهبت إلى: معرض بولونيا، فرانكفورت، نيويورك، براغ، لندن، الشارقة، أبو ظبي، بيروت، و...الرياض..
لم أسجل أي مشاهدات قبلاً، بدأت التدوين من معرض فرانكفورت ،ربما لأنه كان يحوي على الكثير الذي يحكى..
والآن آخذكم إلى بولونيا:

بولونيا هي بلد صغيرة في إيطاليا ، ومنذ 50 عاماً يقام معرض متخصص لكتب الأطفال فيها حتى صار الآن علامة مسجلة في أدب الأطفال سنوياً، يحتفي المعرض بكتاب ورسامي كتب الأطفال حول العالم ، من لديه شغف بأي منهما فبولونيا هي المكان الملهم الأول.
حصلت على دعوة من السفارة الإيطالية لحضور المعرض، وأظن أن ذلك كان في معرض فرانكفورت بعد أن قابلت إحدى مديرات معرض بولونيا وقلت لها : من أحلامي أن آتي لمعرض بولونيا ، فقالت لي وهي مبتسمة: أتمنى أن تتحقق أحلامك..!
قابلت نفس السيدة في حفلة كوكتيل في بولونيا فقالت لي: مرحباً، ماهو طعم الأحلام حين تتحقق؟ :-))))

رحلتي كانت: جدة-فرانكفورت-بولونيا، وفي المطار وجدت سيداً إيطالياً عجوزاً باستقبالي، كان هناك سيدة أخرى بانتظاري في السيارة : إريستينا قادمة من رومانيا..
تحدثت مع السيدة وتعرفت عليها في السيارة، تعمل في إحدى أكبر دور النشر في رومانيا، وصلنا الفندق وتواعدنا أن نتقابل بعد أن نرتاح لساعة أو أكثر..
غريب هو أمر الناس حين يكونون غرباء، سيدتان في نفس العمر، إحداهما من السعودية والأخرى من رومانيا يجمع بينهما الكثير: حب الكتب، حب اللغة، العمل،كثير من الهواجس والأسئلة و....أزمة منتصف العمر..
طوال الرحلة كنا نضحك على ذات الأشياء، نتبادل التعليقات التي لا أتبادلها إلا مع صديقاتي، نجد أموراً مشتركة في كل مرة..
قالت لي: هل تظنون كمسلمين أنكم الوحيدين الجديرون بالجنة وبرضى الله؟ نحن المسيحين نظن ذات الأمر أيضاً..! ترى كيف يتعامل الله مع ظنوننا التي يعتقد كل منا أنها يقيناً..؟!
تحدثنا عن الحجاب، وقالت كما يقول الكل: هي لا تفهم كيف يمكن للشعر أن يصنع فرقاً،.! قالت لي ونحن نمشي: أنت إذن من بين كل الآلاف اللذين في الشارع ترضين الله لأنك تضعين الحجاب؟ أتظنين أن تلك المرأة العجوز التي ساعدتنا في طلب التاكسي تحت المطر لن تستحق دخول الجنة؟ أي فرق يصنعه الحجاب إذن؟ تحدثنا عن الحجاب وإن كان عرفاً ثقافياً أم إلتزاماً دينياً..
تحدثنا عن عيسى "ابن الله" وكيف يمكن لهذه الفكرة أن تتواجد، أليس الأدعى أن يكون آدم ابن الله أيضاً؟ 
تحدثنا عن اللغات وأصولها ، كيف نمت وتطورت وأثرت في بعضها، وهل اللغة هي وعاء للثقافة أو أن الثقافة هي التي تنتج اللغة ومفرداتها وطريقة نطقها.
هذا شيء من الحوارات التي كانت تدور بيننا كل اليوم أنا وهي وصديقنا الباكستاني المسلم :بابار، بابار أعرفه من فرانكفورت وهو ناشر صغير السن ونشيط على جميع المستويات، يطيب له التحدث معي عن الإسلام السياسي ويتمنى لو أزوجه فتاة عربية سعودية، يسمع العربية بشغف ويقول إنها أكثر لغة موسيقية سمعها في حياته.
هناك أيضاً خالد المصري، يتحدث الإنجليزية والألمانية بطلاقة، شارك في حرب الخليج وفي ثورة يناير ويشعر بالمرارة بعد الثورة ونتائجها، يعيش ما بين ألمانيا والقاهرة، لديه دار نشر بالعربية وأخرى بالألمانية، يتحدث كثيراً ويضحك أكثر ويجعل كل من معه يغرق في نوبة ضحك، أحياناً يتوقف عن التعليق بالإنجليزي ويعطي تعليقات بالمصري من العيار الثقيل لا نفهمها إلا نحن العرب.
هناك هاني من لبنان أيضاً أعرفه من فرانكفورت، وسلوى من الأردن التي جاءت هذه المرة بصحبة خطيبها، ومجموعة من أمريكا الجنوبية كنت نتقابل معهم أحياناً على العشاء، رجالهم يحتضنون كل أحد بدلاً من المصافحة صباحاً ومساء، كنا أنا وإريستينا نحاول تجنبهم والهرب من أحضانهم قدر الإمكان..:-)
في المعرض كنا نجلس في جناح كبير كلنا معاً ، لكل منا طاولة عليها اسم دار النشر الخاصة به، كتبه، وهناك تعقد الكثير من الاجتماعات ،المقابلات..لا أظن أن كثيراً منها كان مفيداً لي على أية حال فالكل كان يريد أن يبيع حقوق كتبه دون أن يشتري، خاصة أن أغلب اللذين يقصدوننا من صغار الناشرين.



بعد انتهاء مواعيدي كنت أتجول في المعرض، أتعرف على ناشر من أمريكا يقول أنه سعيد لأنه رأى وجه امرأة سعودية ، أمكث في الجناح الإيراني وأتعجب من جمال وإبداع رسوماتهم وآكل فستق لذيذ، أستمتع برؤية الديكورات وأتصور مع أبطال الكتب اللذين يقفون عند كتبهم ويبدون حقيقيين، أبحث عن أي ستاند يمثل العرب( لم أجد إلا جناج القاسمي وبه معرض الشارقة ودار كلمات وكذلك جناح جائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع آل نهيان لكتب الأطفال) .



من أجمل ما يميز معرض بولونيا جدار الرسامين، حيث يضع رسامي كتب الأطفال نماذج لرسوماتهم على حائط طويل ومعها بزنس كاردز لمعلوماتهم الشخصية ، يمر الناشرين على هذا الحائط ويتفرجون على أنماط مختلفة من الرسم والتلوين والتصميم، ويختارون رسامين لنصوصهم وكتبهم الجديدة.


هناك أيضاً معارض لرسامي كتب الأطفال المحترفين، وجوائز سنوية، ومعارض رسومات أصلية لكتب أطفال من السبعينات والثمانينات.
قابلت كثيراً من الناشرين والرسامين الإيطاليين، التفاهم معاهم سهل، يشبهوننا-نحن العرب- كثيراً في التعبيرات واستخدام لغة الجسد، قابلت ناشرة صينية، أقسم أنها كانت من أصعب التحديات، زارني عدد من العرب اللذين فوجئوا بتمثيل سعودي، فإسمي بجوار علم السعودية في قوائم المعرض.
أذكر تلك الرسامة الإيطالية الصغيرة ذات الوجه الجميل والشعر القصير والكيرلي، كانت تتحدث معي بالعربية بصعوبة، أخبرتني أنها تخرجت تواً من الجامعة من قسم الجرافيك وأنها الآن تأخذ دروساً في العربية وأنها سعيدة لأنها تريد أن تجرب ما تعلمته، كانت تقول" أنا يرسم أشياء جميلة" ..كم أنت شجاعة وجميلة يا جميلة:-)))

بولونيا مدينة جميلة، صغيرة وذات حواري ضيقة ومبان ومقاه قديمة وحوائط ملونة، لكنها نظيفة جداً، التجول فيها مع رفقة الأصدقاء في الجو البارد وتحت المطر، والأحاديث التي لا تنتقطع، شرب القهوة وأكل التارتللي التي تشتهر بها بولونيا أعطى أمسياتنا طعماً خاصاً..

انتهى المعرض، بعد خمسة أيام ، ورحل كل منا إلى وجههته، وجهتي كانت بالقطار من بولونيا إلى روما..!
وحدي تماماً في مدينة كبيرة تحتفي بالتاريخ بالحب والفن والقصص القديمة.!
فندقي كان في وسط روما، بالقرب من Spanish Stepsعلى الطراز الإيطالي القديم يتوسط كل المواقع الأثرية والأسواق والماركات العالمية والمطاعم والمقاهي الإيطالية.
المشي في مكان كهذا كان شهقة من جمال وتجربة روحية بعمق، الحديث مع الناس حولي في الشارع كان مرحاً مضاعفاً ومتبادلاً، كنت أرى كل شيء حولي يتكلم ويحكي لي قصة..
الموسيقى تصدح في الشوارع، والحب يباع أحياناً وأحياناً يوزع بالمجان، الطعام اللذيذ والرجال الوسيمين يحوطونك من كل جانب أما التاريخ- فيخيل لك- أنه مر من هنا ثم قرر أن لا يرحل، وأن يبقى شاهداً على ممرات هذه المدينة وأزقتها ،شرفاتها وأحجارها العتيقة.











هل حقاً كل الطرق تؤدي إلى روما ؟
لست متأكدة...
لكن ما أنا ممتنة لأجله، أن طريقاً ما في حياتي...قادني إلى روما!



هناك تعليقان (2):

  1. رحلة جميلة.. هيا ايضا واحدة من احلامي.. احب ادب الاطفال كثيرا، ولا ابالغ عندما اقول اعشق اسلوبك في الكتابة واتابع مدونتك بشغف :)
    اتمنى في يوم ما ان تقرري كتابة رواية، اجزم لك انك ستنافسين شهرة احلام مستغانمي وغادة السمان..
    عقبالي تتحقق احلامي مثلك ؛)

    ردحذف
  2. عزيزتي آية...
    حقق الله أحلامك، هي فعلاً مدينة حلم..:-)
    شكراً على الكلام الحلو، شعرت به صادقاً ومن القلب:-)))أكتب الآن شيئاً أشبه برواية، أتخاذل أحياناً وأخاف أحياناً أخرى...الكتابة دوماً مغامرة :-)

    ردحذف

أنت وصديقك

 ليس للحياة معنى..إنها ماضية  فقط...ماضية وغير آبهة بأي أحد.. تمر فوقي وتتعداني دون أن أشعر بها..صامتة دون صوت..رمادية دون لون.. متى ستنتهي ...