الجمعة، 19 أبريل 2024

قطط مشردة - 4 -

 - أنا مشردة أكثر من قططي، فقد أخذت وحيدة وحبيبة كي يحلقوا شعرهم ويستحموا ويقصوا أظافرهم ويتعطروا..في عالم القطط ذلك منتهى الدلال والأرستقراطية..أما أنا فمشردة القلب والمشاعر والأحاسيس. حافية على الأرصفة.

أنا لا آتي إلى هنا كثيرا يا ماورد لأنني اكتشفت أنني لا أستطيع كتابة كل ما أفكر فيه أو أشعر به، ليس لأني لا أستطيع حرفيا بل لأني لا أستطيع كتابته وتخيل أن أحدا ما -بما فيهم أنا- سيقرأه..أنا أحتاج أن أتحدث حديثا طويلا يتخلله بعض البكاء ثم ينتشر الحديث وتتطاير الدموع بين ذرات الهواء وتنتهي القصة،  ولا يعود أي شيء مرئيا أو مسموعا أو مقروءا، أما كتابته فذلك يعني النظر إليه والشعور به في كل مرة..

أتحدث مع من هذا الحديث الخاص جدا؟ أخواتي؟ لازلت أخفي بعضي الذي لازلت قادرة على إخفائه عنهم..صديقاتي؟ من سيسمع دون أن يحكم أو دون أن يشعر أن الأمور سخيفة وتافهة ويحاول إقناعي بحسن نية أن الأمور ستصبح أفضل؟ وأنا لا أريد أن أسمع كلاما كهذا، أنا أكتب لفهد كل يوم في جواله الذي معي-بعضا مما في رأسي وقلبي، ذلك يريحني إلى حد ما ولكني متأكدة أنه لن يقرأ شيئا مما كتبت وأنه قد يمسحه أو على أحسن تقدير لن يرد عليه لأنه قد لا يعني له شيئا...

- ويلي الآن انتبهت..

ما أتعس حياتك حين تكون زوجتك كاتبة..

لن تستطيع الرد عليها واتهامها بالمبالغة أو الكذب أو عدم الفهم فالكلمة- وليست الكاتبة- لها شأن أرفع وأكثر قدرا من أن تُنتهك وتُتّهم في صدقها.

حين تكون زوجتك كاتبة تكتب لك كل يوم في غياب مربك كهذا، تكتب على جوالك الذي في حوزتها،  وتسجّل يومياتها ومشاعرها في غيابك حتى تصل رسائل الواتس أب في هاتفك إلى أكثر من 1000 رسالة حتى الآن..

حين تكون زوجتك كاتبة فهي تشعر وتقرأ الأحداث وتحلل وتكتب ..تفعل كل ذلك في ذات اللحظة وتعبر بكلمات صريحة ومواربة ومحمّلة بالكثير وليس لك القدرة على مجاراتها والرد عليها.

حين تكون زوجتك كاتبة فخلطة المشاعر عاصفة مدارية مُغرقة مُحرقة..مطر وبرق ورعد وصوت رياح وهدير ماء وتراكم سحب وضوء خاطف في ظلمة السماء..يتخلل كل ذلك فجأة نسمة لطيفة وصوت خرير وزقزقة عصفور...وحاول أن تجاري كل تلك المشاعر المتناقضة قبل أن تصاب بالجنون .

حين تكون زوجتك كاتبة فعليك أن تتعامل مع روحين: روح الأنثى الصعبة وروح الكاتبة المتمردة..

حين تكون زوجتك كاتبة فانتبه لما تقول وما تفعل،  فلا شيء يمر ببساطة وليست الأمور سهالات ولا تنتفي الأسباب ولا تموت المبررات ولا تحسن النوايا..

حين تكون زوجتك كاتبة..فما أتعس حياتك

- أظنني مصابة بالاكتئاب، أسيل تقول ذلك في كل مرة أحادثها وتصر  أن أرى طبيب نفسي لأني أحتاج دواء لا يصرف إلا بوصفة طبيب كالبروزاك أو السبرالكس..

توقفت عن الخروج تماما ولا أود رؤية أحد، اليوم خطوبة بنت خالتي، في البداية قلت أني سأذهب ثم تذكرت المشي..وأنني لست في أفضل حالاتي الصحية والمناسبة كبيرة وبها العائلة من كل مكان وأنا لا أريد أن أبرر أو أتكلم أو أن أتلقى أي نظرات شفقة أو حتى تشجيع..لا أريد السلام والمجاملات وعصافير الأفراح المزقزقة تدور حولي...لن أتحمل كل ذلك..لذا آثرت البقاء وحدي في البيت..والله يهني العروسة والعريس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنت وصديقك

 ليس للحياة معنى..إنها ماضية  فقط...ماضية وغير آبهة بأي أحد.. تمر فوقي وتتعداني دون أن أشعر بها..صامتة دون صوت..رمادية دون لون.. متى ستنتهي ...