
متى كانت آخر مرة اندهشت إلى هذا الحد الذي يقطع الأنفاس؟
متى كانت آخر مرة استثيرت حواسي كلها..افتتنت وكنت مغيبة عن عالمي إلى الحد الذي لا أشعر في بالوقت..؟
كان ذلك البارحة حين حضرنا في مانشستر curque Du Soliel أو سيرك دوسوليه..
لقد كان تجسيداً حياً كيف بوسع الإنسان أن يبلغ أقصى طاقاته الجسدية والإبداعية ..كان إثباتاً أن الفن مزيج مدهش من اللون والموسيقى..من الحركة والجمال.. كان دليلاً على أن الإنسان يمكن أن يتخيل أي ي ي ي ي شيء ويحوله إلى حقيقة..!
كل فقرة كانت عبارة عن "ثيم" متكامل من الموسيقى والملابس والمؤثرات والرسائل..
الأشخاص المؤديين اختفوا تماما تحت طبقات الماكياج المتقن والملابس التي تلتحم مع أجسادهم ليصبحوا رموزاً متحركة فقط تشك أن بها مس من جن..!
فتنت قلبي تلك الفتاة البيضاء التي تلمع من رأسها إلى قدميها وترقص متلوية على أنغام موسيقى شرقية مجسدة الحنين في أقصى حالاته حين يلوي عنق القلب..أو تلك التي تتأرجح بخفة متناهية على طوق دائري كأنها حمامة من عمق الجنة..الولدان اللذان كانا يرتديان السواد ويطيران في الهواء بدقة كأنهما شخص وظله أو صورته في المرآة..كانا رمزان لأسئلة الإنسان وحيرته التي بلا إجابات..
الرجال اللذين يرتدون الأحمر المغوي ويرقصون بعنف على الموسيقى اللاتينية جسدوا الرغبة المتطرفة في أقصى حالاتها والغريزة التي تصبغ في لحظة كل شيء باللون الأحمر..
الحب الصافي في أجنحة ذلك الكائن الملائكي الأبيض ..والرغبة من الإنعتاق والتحرر في قفزات تلك الكائنات الصفراء من على الأرجوحة الضخمة..الكائنات الأنثوية الأربعة الزرقاء كانوا يرسمون لوحة في الفضاء ويلتحمون في بهجة صداقة متدفقة تشك فيها أين تبدأ الأولى وكيف تنتهي الرابعة..أو تلك الكائنات البحرية الملونة التي ترقص بذيولها وزوائدها على حرير مائي أزرق مجسدة جمال العوالم التي تحيط بنا..
ليس ذلك فقط..هناك أيضاً مواقف أثارت ضحكي الذي لم يتفجر هكذا منذ الزمن..
ذلك المغني الوسيم المتكلف والذي كان ساحراً فاشلاً قبل قليل .. يرتدي بذلة يظنها أنيقة ..يغني ويلاحق حلقات النور بإصرار ، تلك التي تخطئه عمداً في كل مرة و تأبى أن تمنحه نجومية وشهرة على المسرح وأمام الجمهور...
أو تلك الفتاة السمينة المبهرجة..ذات "السروال الداخلي الظاهر " عن قصد..والتي تحاول عبثاً أن تلفت نظر رجل إليها بغنج مصطنع مضحك..
ألبست كلها صوراً من الحياة؟
..
ألسنا نحنا مزيج من كل ذلك؟
كانت ابنتي تشعر بالدوخة من فرط جمال ما شاهدته..كنت أستمتع بمراقبة عينيها وقد التمع بريقها على الاخر..
أما ابنتي الأخرى فلم تصمت طوال طريق العودة وهي تعيد ما رأته كلاماً..وحين وصلنا البيت قالت: سأنام الآن حتى أعيد كل ما رأيته مرة أخرى في خيالي..
..
..
حقاً لقد كانت تجربة حسية وشعورية..بااااااااذخة ..!