بالأمس قابلت شخصا لطيفا صنع لي يومي، لا أدري ان كان منضبطا أو مثاليا فالوضع كان يحتم ذلك على اية حال ..
كانت جلسة عشاء على طاولة طويلة تضم كل أفراد العائلة، وكنت أكره هذا النوع من العشوات حيث الجلوس يكون لحد ما عشوائي..وأنت وحظك مين جنبك ومين أمامك.
ثم تذكرت أنه لا شيء عشوائي مع أمي..فهي تحب أن ترتب كل شيء حتى أماكن جلوس الضيوف ، وكما توقعت ..أبي على رأس الطاولة ثم أمي من جهة اليمين ثم أنا ثم عمتي ثم أختي ثم الباقي الأصغر سنا والأكثر إزعاجاً وصخباً
وعلى الجهة الأخرى عمي أمام أمي -ثم المرأة الإيطالية التي لم أكلف نفسي بحفظ اسمها، ثم زوجها التونسي الفرنسي ثم البقية..
كنا اثنتا عشر شخصا حول الطاولة..
لم تكن المرة الأولى التي أقابل فيها المهندس حاتم صديق عمي والذي للتو أنهى أعمال تشطيبات الديكور الداخلي في بيت أبي الجديد..
كان فناناً "بطراناً" وقد ذهبت مع أمي لعدة مرات لموقع البيت وفي كل مرة أقول..افففف حاتم ..من أين أتيت بهذا المخ العنيف في جماله؟
حاتم يتحدث العربية بلهجة جميلة والانجليزية والايطالية والفرنسية والالمانية، له توجه ونظرة خاصة في الحياة.
اكتشفت أمس أنه ليس فنانا فقط بل فيلسوفاً متطرفاً محلقاً في سماوات لا نراها..
كنا نتحدث بحماس بالإنجليزية ثم نتحمس ونقلب شوية عربي، لم يشاركنا أحد لأنه لا أحد يتحدث عن هذه المواضيع في جلسة عشاء تضم هذا العدد وهذا التنوع من الناس والاهتمامات، تحدثت معه حول قضايا لم أتحدث فيها مع أحد منذ زمن..عن الفن وطاقته الروحية ، عن اللغة وقوتها في تشكيل الأجواء بذبذبات أصواتها مما يؤثر على إحساسك بالمكان..
كنا نتحدث عن اللغة العربية وجمالها وعلاقتها باللغات السامية الأخرى العبرية والأرامية ..كنا نتحدث عن طاقة الألوان وكيف تكون المساحات شبيهة بصاحبها..
كانت الجلسة سريالية، أنا وحاتم نتحدث في قضايا في منتهى الفلسفة والفن وكأننا وحدنا والطاولة بكل صخبها مجرد خلفية باهتة تعج بمنتهى العبث والضحك والأمور التي تشغلهم..
تحدثنا وتحدثنا وكأن الوقت سرمدي..
انتهى العشاء حين ضرب أبي بسكينه على كأسه الزجاجي كي يخبرنا بسبب العزومة: شكر حاتم على مجهوداته ولمساته الفوق عادية في البيت الجديد..
رد حاتم أنه سعيد بالتعرف على العائلة ، قلت له ونحن نهم بالخروج : بيتي هو مشروعك القادم.
قال مبتسما: هيا لننشر كثيرا من المتعة والكتب والشعر والألوان في بيتك ..أنا سأقود إلهامك فقط وأنفذه عمليا حتى يصبح بيتك ..يشبهك، كما فعلت مع أمك..
عدت وروحي ممتلئة ❣ شعرت أنني كنت في بقعة معزولة عن الناس والوقت وتدفق الحياة
تعليق أختي: غيرت مكانك قبل ما تجي وحطيتك بين ماما وعمة عشان لا ترفع عمتي ضغط أمي فصرت قدام حاتم …تخيلي مسكين لو كان قدام عمتي؟ من حسن الضيافة إنك تجلّس كل واحد في مكانه المناسب..
وأنا كان مكاني مناسبا تماماً..