
كنت أستعد للنوم بعدأن فتك الصداع برأسي طوال اليوم..ولكن ثمة شقي صغير أبيض مبتسم تسلل عبر نافذتي..دعاني لسهرة على ضوئه..حيث أرجوحة من سحر يعلقها على طرفيه تأخذني في هدهدة حنونة فيما تبقى من ليل..!
رفقاً بليلي أيها الساحر الصغير...أنت تعلم أن النهار قد غلبه هذه الأيام وأنه لن يبقى إلا لسويعات ..وها أنت ذا تكسر ظلمته بشعاعك الفاتن..!
ماذا تقول؟
لن ترحل قبل أن أحكي لك حكاية..؟
حسناً إذن..تعال بجواري لنتقاسم الوسادة والقبل ورائحة الليل..
والحكايات:
سأحكي لك حكاية "الحزن الذي أزهر"!
منذ البارحة وأنا لست بخير..محتارة، باكية، جزعة..تقلبت علي المواجع..وعاث بي الحنين شوقاً ..وعبث في قلبي جرح قديم كلما ظننته اندمل نزف ولطخ روحي حزناً..
اليوم لم أذهب للجامعة إلا أنني ذهبت وحدي إلى إحدى البيوت الريفية التاريخية خارج ليدز من أجل حضور معرض علي الكتابة عنه لإستكمال بحث أقوم به..
لملمت نفسي المبعثرة..وقلت أتشاغل برحلتي اليوم..كان الطريق شاقاً وطويلاً..بالباص لأكثر من نصف ساعة حتى وصلت لقرية صغيرة وهادئة..ثم المشي في طريق ترابي طويل في وسط المروج لمدة نصف ساعة أخرى حتى وصلت للمكان المنشود..
لم أكن أتخيل أن تصل بي المغامرة للحد الذي أمشي فيه وحدي في وسط الريف حيث لا صوت إلا صوت العصافير والنحل..ولا أحد إلا بعض سيارات المزارعين ..ولا شيء إلا مروج ممتدة على مد البصر..
تلك المروج لم تكن خضراء فحسب..بل كانت صفراء فاقع لونها تسر الناظرين حقاً..
يا اللللله...يا للسلام..ما أجمل هذا الأفق..
ما أروع هذا الطريق..
مكان كهذا كيف بالله أكون فيه وحدي؟
دق قلبي فسمعت دقته من فرط الهدوء..
وغنت المروج من حولي كحزن عقيم أزهر حقلاً من شجن ...
كانت كفي تقبض فقط على حقيبتي دون أي كف أخرى تبث فيها الدفئ..
رجل عجوز مر بجواري وابتسم وقال لي كم يبدو هذا الصباح جميلاً..
أجل..إنه كذلك..شكراً أيها الرجل العجوز رغم أن قتنة هذا الصباح ماثلة لا تحتاج لمن يشير إليها..
دخلت إلى المنزل الذي صار متحفاً..كان يقع في وسط مزارع ممتدة ..وحديقة طيور..ومقهى صغير يبيع المعجنات الإنجليزية الطازجة المصنوعة في البيت..
تجولت في الأنحاء..انضوت روحي على نفسها وعادت تترنم في إيقاع خافت يتناسب مع الأغنية الشجية التي كان ينبعث صداها في الحقول..
ماذا أيها القمر..أين أنت؟ هل نمت قبلي؟